ومن يقرأ ما ذكر المؤرخون عن هذا المسجد يعرف أن الذي نراه اليوم بقية الخطوب من هذا البناء العظيم الهائل. وإنما ذكرت من هذه البقية ما لا يشق على القارئ إدراكه مما أدركت العين في زيادة سريعة غير مستوعبة ولا مدققة
ثم انصرف الرفاق مشكورين، ولبثت في المسجد فذهبت إلى الجانب الشرقي فأشرفت من صحن الصخرة على ساحة واسعة بينه وبين السور الشرقي، سور المسجد والمدينة القديمة نفسها. وهي ساحة خربة ولكنها تصلح أن تكون بستاناً كبيراً أو حديقة واسعة أو مدرسة جامعة، أو ما يشاء التفكير والإصلاح لخير المسلمين
وضيفت الشمس للغروب فذهبت إلى حجرة الموعد معتكف الوزير التقي السيد المجددي للإفطار مع العاكفين. وصلينا المغرب في قبة الصخرة وعدنا فبسطت سفرة وضعت عليها ألوان من الأطعمة الشهية، وأحاطت بالمائدة وجوه مشرقة تتجلى فيها الطهارة الإسلامية طهارة الجسد والروح والظاهر والباطن قعدت بين هؤلاء الإخوان البررة الذين صفت قلوبهم ووجوههم واجتمعوا على البر والأخوة في هذه البقعة المطهرة. فخلت هذه المائدة صفاً للصلاة، وهذا الأكل الشهي أسلوباً من العبادة. وإن حظ الأجسام من هذه الغذاء ليس أعظم من حظ الأرواح. لقد تمنيت أني معتكف مع المعتكفين ووددت أن أظفر بهذه السكينة في حجرة من هذه الحجرات رمضان من العام القابل
قلت للاخوان مازحاً: إنكم لفي نعيم. وإن غير المعتكفين لا يظفرون بمثل هذه المائدة. وقال السيد المجددي وهو يضئ الكهرباء: هذا اعتكاف آخر الزمان. قلت: هذا اعتكاف إسلامي فيه الطمأنينة والعبادة والفكر، وليس فيه الحرمان والإرهاق (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق). وشربنا الشاي وتحدثنا قليلاً فسمعنا النداء للعشاء فسرنا إلى قبة الصخرة فدخلنا وقلوبنا تخفق مع هذه القناديل الخافقة. وانتظمت الجماعة في المصلى الخارجي وسمعت تسبيح النساء وراء السياج المحيط بالمصلى الذي تحت القبة فعرفت أن لهن جماعة من وراء هذا الحجاب. وأقبلنا على صلاة العشاء والتراويح. فلما قضيت الصلاة وسرت إلى الباب الشمالي رأيت جماعة أخرى يؤم بها السيد المجددي؛ وقيل لي إنها جماعة الحنفية يصلى بها هذا السيد العمري الأفغاني كل ليلة. ومما أجدر بالإمامة في مدينة عمر