للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا يشهد بان الفنانين فاشلون في حبهم، أو هو يشهد على الأقل بأن كثيرين جداً من الفنانين يفشلون في حبهم. فما الذي يدعو إلى هذا؟ أهو قصور في رجولة هؤلاء الفنانين؟ أم هو التواء حاد بنفوسهم عن المسلك الطبيعي الصحيح الذي يجب أن يسلكه الذكر مع الأنثى ليقنعها بنفسه؟ أم هو انحراف عن أساليب الأرض إلى أسلوب جديد بعيد تسعى الحياة إلى اصطناعه وستأخذ يوماً ولكن بعد أن يكون هؤلاء الفنانون قد ركلوا الأرض إلى عالم يرتاحون فيه ولا يشقون؟ أم هو هذا كله مزيجاً مركزاً؟

الطبيعة وحدها هي التي تهدينا إلى سر هذه المشكلة. وإذا كانت حياة الإنسان قد تشابكت من نواح، وتحللت من نواح، وعقدت الحضارة أغلب أطرافها وأوساطها بحيث لم يعد من الميسور لكل عين أن تميز الأصيل في أفعال البشر من الدخيل عليها، فإن لنا في حياة الحيوان ما يدلنا بوضوح وجلاء على طريقة التهافت الطبيعية التي تجذب الذكر نحو الأنثى، والتي تجذب الأنثى نحو الذكر. فإذا ما تعلمنا من الحيوان هذه الطريقة عدنا إلى الإنسان الفنان ونظرنا: هل هو يماشي الطبيعة في غرامه أو هو يحيد عنها مترفعاً أو متدلياً أو هائماً على وجهه يتخبط ذات اليمين وذات الشمال؟

وقبل أن نخطو هذه الخطوة يحب أن نجيب عن سؤالين قد يخيل لبعض الذين يصحبونني في جولتي هذه أنهما يعرقلان المضي في مذهبنا، أو أنهما على الأقل يشوهان هذا المذهب. أما السؤال الأول فناعم خفيف يقول لنا بصوت خافت رقيق: هبكم رأيتم الفنان قد حاد عن طريق الطبيعة التي تزعمون فلماذا تخصونه بالحساب والعتاب من بين الناس وأكثرهم حائد عن هذا الطريق؟ وإذا كان هو يئن بالشكوى من حبه، فكثيرون غيره يئنون؛ غير أنه يذيع أنته وهم لا يذيعون؟! ونحن نجيب عن هذا السؤال فنقول: إن الفنان هو رائدنا إلى الطبيعة؛ وليس يبرر بعده عنها إلا أن يكون هذا البعد قفزة إلى مرحلة من مراحل الرقي الإنساني يسبق بها البشر ليكون فيهم بشيراً بما سينتهون إليه بعد حين. وليس مما يريح ضمير الإنسانية أن ترى الفنان وهو هاديها إلى الحق ومواطن الراحة مضطرباً في حياته الخاصة، وفي أعز جانب من حياته الخاصة هذه دون أن تعرف علة هذا الاضطراب لعلها تستطيع أن تنقذه منه

وأما السؤال الثاني فيصرخ فينا بعنف ويقول: كيف قررتم أن الحب عند الإنسان يشبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>