للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحب عند الحيوان، ولم تروا أنه أرقى وأشرف؟ ونحن نرد هذا السؤال بقولنا: إن الحب لا يمكن إن يخرج على حال من حالتين: فأما نزوع روحاني لا يصحبه النزوع البدني وهذا شيء لا يعوقه عائق، ولا تصده عقبه ولا يمكن أن يشكو فيه شاك من بعد أو حرمان أو لوعة أو صبابة أو هجر أو غدر أو غير ذلك مما يشكوه العشاق، ومما تدور حوله فنون المتبرمين من الفنانين العاشقين، فالروح متى رضيت عن روح لم تعد تعبأ بما يفرق بينهما من بعد المكان، أو بعد الزمان، ولم تعد تهتم باختلاف الجنس بينهما أو توحده

إما هذا، وإما أن يصحب هذا النزوع الروحاني نزوع جسدي وفي هذا تظهر الشكوى، ويظهر الأنين، وتظهر فنونهما فلا بد إذن يكون النزوع الجسدي هو الذي يسببهما إذا لم يصب التوفيق، وهذا النزوع البدني موجود عند الحيوان، ولكنه يصيب التوفيق دائماً، ولا يفشل مطلقاً إلا عند العدوان حين يندس بين الذكر وأنثاه ذكر جديد قوي غلاب، وعلى هذا كان من غير الطبيعي في حياة الإنسان أن يفشل الرجل في حبه ما لم يصرعه رجل أقوى منه في الناحية التي تعترف بها الأنثى، وتنقاد لها

هذان هما الحالان اللذان يتشكل بهما الحب في حياة الإنسان على الإطلاق. وأرى من العفة أن أربأ بصورة الحب الإنساني عن الحالة الثالثة التي يتفرد فيها النزوع البدني وحده. لا لأنني أريد أن أمجد الإنسان، ولكن لأني أرى في بعض الحيوان ما يعف عن هذا الحب ويتسامى عليه، ويجمله بالألفة والمعاشرة، والحنان والتعاطف. والمسلم به أن الإنسان أرقى من الحيوان.

وبعد، فأني أحسب أن الطريق قد عبد أمامنا، وأننا نستطيع أن نخطو في خطوتنا الأولى نحو الحب عند الحيوان.

والذي نلحظه هو أن للحيوان غزلاً يشبه الغزل عند الإنسان من حيث إنه دليل الرغبة في إقامة بين الذكر والأنثى، ومن حيث إنه الباب الوحيد الذي يؤدي إلى الحب. والمشاهد أن هذا الغزل يتخذ عند الحيوان عادة شكل الصراع، ومن الحيوان ما يترفق فيه فيكون صراعه كاللعب والمداعبة، ومنه ما يشتد فيه ويقسو فيكون صراعه صراعاً حقيقياً تتهشم فيه العظام، وتسيل فيه الدماء. وهذا النوع الأخير من الصراع يقيم الدليل المحسوس عند الأنثى على أن الذكر الذي يغازلها قوي غلاب، وعلى أنه يأخذ حقه منها قوة واقتداراً، وأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>