والإمبراطورية الإنكليزية، مع هذا، لم تضمحل بهذه الكتابة، والأساطيل البريطانية لم تصطدم بهذه الحروف وما رأيت مصرياً من العيابين الطعّانين في الحروف العربية جرؤ مرة على عيب الإملاء الإنكليزي أو تنبه إلى عيوبه. وذلك بأن الحروف العربية لا تحميها إمبراطورية ولا أساطيل، نعوذ بالله من ضعف الهمم، وذل الأمم
وإن للحروف العربية لمزايا عظيمة فهي أيسر كتابة. لا تملى على صبىّ كلمة فيخطئ كتابتها إلا الكلمات المهموزة. وهي كذلك أخصر رسماً يستطيع كاتبها أن يساير خطيباً أو مدرساً فيكتب كل ما يقول، وهي في جملتها أوضح من كتابة اليد في اللغات الأوربية. قال لي مستشرق ألماني كبير قد أتقن اللغات العربية والفارسية والتركية، وحذق كثيراً من لغات أوروبا:(ما أشكل علي قط قراءة رسالة عربية وقد أشكل علي وعلى غيري مرات كثيرة قراءة رسائل ألمانية)
هذا إلى ملاءمة الكتابة العربية للعين. قال لي طبيب كبير من أطباء العيون: إن الحروف اللاتينية بكثرة زواياها أشق على البصر من الحروف العربية
إن مجال القول يا صاحبي واسع. وما بكم صعوبة الحروف العربية، ولكن الغرام بمتابعة أوربا، والخجل من التمسك بما أورثكم آباؤكم. ما بكم علة الحروف العربية ولكن علل الذلة والمهانة، واحتقار أنفسكم وتعظيم غيركم. إن المريض يكثر التحدث عن صحته، ويكثر اتهام الأطعمة والأشربة، كلما أحس السقم ظن أن الماء الذي شربه قد أضرّ به، أو أن الطعام الذي طعمه لم يلائمه. فكذلك أنتم تخلعون علل أنفسكم على اللغة أو الكتابة أو غيرهما وإنما الداء الدوي في أنفسكم، والعلة القاتلة في سرائركم