لأن هذه حروفهم وتلك حروفنا. وسيشترك في السخرية من لم ير الحروف العربية قط. ثم هل اتفق الأوربيون على الكتابة بحروف واحدة؟ وهل استعملوا الحروف التي اتفقوا عليها بأسلوب واحد؟ أذكر أنه منذ ثلاث سنين جاء إلى أستاذ كبير في الجامعة المصرية كتاب من جماعة في أوربا يدعونه إلى العمل معهم على تعميم الحروف اللاتينية في العالم، فسألني رأيي فيما يجيبهم به فقلت إن كان لابد أن تجيب فاكتب إليهم أن ابدأوا بكتاباتكم فوحدوها فإذا صار الروسي واليوناني والألماني والفرنسي والإنكليزي والأسباني الخ يكتبون بحروف واحدة، وأجمعوا في كتابة هذه الحروف على نمط واحد فاكتبوا إلينا لنفكر في الأمر
وبعد، فاللغات يا أخي مهما أحكمت كتابتها، لا تؤخذ من الكتب وحدها بل لابد لها من التلقين. تعرف الكلمة بالسماع ثم تدل الكتابة عليها دلالة تامة أو ناقصة. وكثيراً ما تكون الحروف كالرموز أو العلامات يلمحها الإنسان فيعرف ما وراءها من لفظ قبل أن يكمل قراءتها، ويدرك اللفظ من صورة الحروف مجتمعة بل كأنه يفهم المعاني من النقوش دون توسط الألفاظ. وإذا أسرع القارئ سلط عينية على المكتوب وقصّر لسانه عن مجاراة عينية، ثم يا أخي هل بلغت الحروف اللاتينية التي فتنتم بها درجة الكمال، وبرئت من العيوب؟ ألست ترى الصوت الواحد تدل عليه حروف عدة فصوت الكاف تدل عليه , , والحرف الواحد يدل على أصوات مختلفة فالحرف يلفظ مرة ك وأخرى س، ويكون حيناً س وحيناً ز وهلم جرا
والكتابة الفرنسية، وهي أدق الكتابات الأوربية، فيها عيوب كثيرة فاللفظ الواحد أو الألفاظ المتحدة في الصوت تكتب بصورة مختلفة مثل و , و , و , و , و ' , فالصوت وحده لا يدل على رسم الكلمة. وكم في الفرنسية من حروف تكتب ولا تلفظ أحياناً كما ترى في الكلمات السابقة
وأنت تعرف الكتابة الإنكليزية، ودلالتها على الألفاظ بالجملة لا التفصيل، وكم من حرف فيها يلفظ ولا يكتب وآخر يكتب ولا يلفظ وحسبك مثل و , ولو قرأ قارئ الكلمات الإنكليزية كما تدل عليها حروفها ما فهم عنه أحد، وقل أن تسأل رجلاً أو صبياً إنكليزيا عن أسمه أو أسم الشارع إلا أتبع الاسم بهجائه علماً بأن الصوت لا يدل على الحروف