للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بتوحيد لغتها العلمية، وإعادة عزتها بجمع كلمة أبنائها؛ وليس فيها كذلك إلا حفلات وولائم متتابعات في قصر أمية والقصر الملكي، وردهة محاضرات الجامعة، وحديقة الأمة الرائعة، ورياض الغوطة الفيحاء، وربى بلودان الشماء

كذلك تبدلت بالمؤتمر الثامن في دمشق لهجة صحافتها، فذهلت بنشر أخباره جريدة (الأيام) عن صراحتها، و (القبس) عن معارضتها و (الجزيرة) عن ميثاقها، و (ألف باء) عن اعتدالها، و (فتى العرب) عن كفاحه، و (الشعب) عن طماحه، و (المضحك المبكي) عن ظريف هزله ومزاحه

إن هذا المؤتمر - وهو دليل يقظة الأمة العربية وبرهانُ رشدها الاجتماعي - ليرمز إلى شعورها بقوتها الكامنة اليوم، وبقدرتها الفاعلة غداً؛ ولذا ورد علي من خبر انعقاده في دمشق ما خفف من بث قلبي الملتاع بتشتت هذه الأمة، والمرتاع لمصيرها المظلم، فشعرت لعمري به شعور الأمل الحالم أغتبط بتوهم الحقيقة، والهائم الحائم على مواقع القطر ابتهج برؤية أمنيته فلمع نور البشر في غرته

ولمَ لا أغتبط - ليت شعري - ولا أبتهج، أو لا تغلبني نشوة الطرب، وبعيني رأيت حسن ذلك الخيال مجسماً، وبأذني سمعت لحن ذلك الوصال مرنماً، في بعض مجامع المؤتمر من عتاب الأحباب على الهجرْ، والأقرباء على الجفاء، وجيرة المنازل والديار، على تناسي حقوق الجوار؛ والجوار - عمرك الله - رحم شابكة وصلة واشجة؟ وكان مما استرقته الأذن من قول أديب شاميّ لطبيب مصري وهو يعاتبه:

- (إن لم تنضموا إلينا فضمونا إليكم، فما كان لحواجز الاستعمار أن تقوى على فصم عرى الجوار؛ ألسنا نحن الشاميين نشارك إخواننا المصريين في أفراحهم وأتراحهم؛ أما كنا نفرح بالأمس لسعد، ولفوز سعد، وأنصار سعد؛ ألم ترمض جوانحنا (سيشل) بذكراها، وتقض مضاجعنا (دنشواي) ببلواها؛ أولسنا نشارككم اليوم في نعيم الواحي (الراديو) فنطرب أمثالكم لألحان أم كلثوم وعبد الوهاب، مثلما نساهمكم في العلوم والآداب بسماع الآيات والخطب والمحاضرات؟

أوليس علماؤكم في الأزهر والجامعة علماءنا، وأدباؤكم من الكتاب والشعراء أدباءنا، وتاريخ القطرين الشقيقين يكاد يكون واحداً، ومطالعاتنا اليوم في الكتب والمجلات

<<  <  ج:
ص:  >  >>