للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت الشجرة على قبر فتاة

وكان القبر بين مئات القبور

وكنت أراها من حجرة قريبة إلى القبور في كل شيء: في الجيرة، وفي المرض الذي أقعدني فيها، وفي الوحشة التي لا يشع خلالها رجاء

وكنا في صحراء الإمام

انظر إلى عصافيرها. عصافير المقبرة على رفات الحسناء

انظر إليها لا ترى فرقاً بينها وبين عصافير روضة على ضفاف نهر في يوم عيد

أتلومها أتحمدها؟

نعم، لك أن تلومها كما قلت يومئذ ألومها:

مغرّدةَ الطير بين الحفَر ... سواء لديك جميع الشجر

أفوق القبور غناء الغرا ... م، وطيب المقام وصفو السمر؟

دعيها لناعبة في الدجى ... وناعقِِ سوءٍ رهيب الخبر

ولوذي بأيْكٍ يفيء الهوى ... إلى ظله ويميل النظر

فذاك بصفوك أولى مقا ... مٍ، وأولى بهذا المقام العبر

ولك أن تحمدها كما قلت يومئذ أحمدها:

مغردةَ الطير أنت الأسدُّ ... وأنت الأجدُّ، وأنت الأبر

عرفت الحياة فحييتها ... بحيث نما غصنها وازدهر

ولم تعرفي الموت بين القبو ... ر، وماذا من الموت تحت الحجر؟

ولا موت حيث يضوع الشذى ... ويسري الندى، وتعيش الذكر

فغنِّي فما الأرض إلا حيا ... ة تمر وأخرى تلي في الأثر

وكنت أقولها يومئذ ولا أزال أقولها الآن وأنا أعجب لنا حين ننعى على الموت قسوته، وننسى أن الحياة تواجهه بأقسى من تلك القسوة، حيثما ظفرت ببقاياه

متى حفلت الحياة بالقبور؟

متى هزئ الموت بالأحياء بعض ما تهزأ بالموت زهرة ضاحكة تنمو من جوف قبر، وعصفورة عاشقة على مدفن حسناء، وتغريدة تسمعها من الروضة في يوم مهرجان كما

<<  <  ج:
ص:  >  >>