للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تسمعها من صحراء الإمام في جنازة عزيز؟

تلك قسوة الحياة. وأقسى ما فيها أنها بحق، وأنها لا تخجل ولا تداري ولا تخال في الأمر موضعاً لخجل أو مداراة.

وفي السجن!

والربيع في السجن يعرف أوانه ولا يعرف مكانه

يعرف أوانه فلا يخطئه في ورقة على فرع شجرة، ولا ينساه في قشاشة منسية على الأرض يلمحها عصفور عابر فيهبط إليها، ليتخذ منها أثاثاً لمهاد غرامه، في موسم الغرام

أهذا أوان الربيع؟

نعم هذا أوانه، وهذه أنباؤه، وهذه سيماؤه!!!

أو هذا مكان الربيع؟

لقد كان ذلك بين الأسوار وراء القضبان، وكل مكان فهو منزل للربيع الطلق غير هذا المكان، في حراسة سجان!

ولكننا تلقيناه فيه، وابتسمنا له، وعرفناه غير متنكر ولا متغير، ومقتحماً علينا المكان أحب اقتحام.

ثم في الصحراء

والصحراء والسجن نقيضان، ولكنهما في غرابة الربيع يلتقيان.

زهرة يفرقها من الزهرة التي بعدها مائة ميل، وكأنها من الأنس بنضرتها في جمهرة من الرياض والآجام. لا تلتفت إلى وحدتها لأنها في حجر أمها وبعين أبيها، وهل لها من أم غير الحياة ومن أب غير الربيع؟

ولكننا نحن الذين نراها بأعيننا فنخلق لها الوحشة من نفوسنا، ونفرق بين مكانها وأوانها، ولا ضير عليها ولا عليهما من افتراق

يذكرنا ربيع المقبرة وربيع السجن وربيع الصحراء أن ربيع العام كله في غير مكانه وإن جاء في أبانه

ربيع يقال له موسم الحياة والرجاء وأنباء الموت فيه أشيع الأنباء!

ربيع يتلاقى فيه محبان هنا ومحبان هناك، ثم يتلاقى فيه مائة ألف من الأعداء ومائة ألف

<<  <  ج:
ص:  >  >>