إن ما ستنفقونه سيرد إليكم أضعافا مضاعفة. (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء)، (مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين، فإن لم يصبها وابل فطل) ثم يحذرهم ويخوفهم عاقبة شحهم وكنزهم المال وعدم إنفاقه على من يستحقونه (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)
وأي دليل أقوى على تبرئة الإسلام من الميل إلى الملاذ والشهوات، من صيام شهر كامل كل سنة تزجر فيه النفس عن مطالبها وتحبس عن غاياتها، وتلجم فيه الشهوات، ويحال بينها وبين مآربها؟ وليس بالمهم أن يباشر المرء اللذات، وإنما المنكر هو أن تذل النفس وتخضع ضارعة لجبار الشهوات وتنقاد ذليلة خانعة لرغبات الشيطان، فإذا استطاع المرء أن يكون له على نفسه سلطان يكبح جماحها ويسلسل قيادها فإنه بذلك يكون قد بلغ أشرف المكارم وأمجد الخصال. وبهذا يستطيع أن يجعل من نفسه هاديا إلى الرشاد والخير، ومن لذائذه بدل أن تكون سلاسل وأغلالا تعييه وترهقه، يجعلها حليا وزخارف تزينه وتشرفه. وهذا هو المقصود من صوم شهر رمضان كل عام. وسواء أكان مقصودا من محمد لمسايرة ما كان عليه العرب قبل الإسلام أو كان من وحي الله له فهو والله نعم الأمر (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
القرآن
أما القرآن فهو الكتاب الذي جاء به محمد من عند ربه، وضمنه تعاليم الإسلام وقواعده التي يجب على المسلمين اتباعها، وقد ضم بين دفتيه أحكاما لو اتبعها العالم لكان خيرا مما هو عليه الآن. وقد أعجب المسلمون به وحفظه أكثرهم عن ظهر قلب. وإن إعجابهم به وقولهم بإعجازه لأقوى دليل على اختلاف الأذواق في الأمم.
وقد ادعى كثير من الأوربيين أنه كتاب خال من الجمال والروعة، وفاتهم أن الترجمة هي التي تفقده روعته وتذهب بكثير من حسن صياغته وجمال صنعته. فإذا وجد غير العربي عناء ومشقة في فهمه ومعرفة وأسراره وأنه يخيل إليه وهو يقرأه أنه يقرأ صحيفة لا شيء فيها ويحمل نفسه المشاق والتعب ويحمل على ذهنه جبالا وهضابا من الكلم لا يجد بينها