كلمة لها معنى في نفسه؛ ذلك لأنه قد ذهبت روعة المعاني وجمال الألفاظ بالترجمة التي لا يمكن أن تكون كالأصل.
أما العربي فإنه يرى القرآن على عكس ما يراه غيره؛ لأن هناك صلة قوية بين لغة القرآن وبين لغة العربي، بل أنه نزل بها وهي اللغة الفصيحة المحببة إليه (إنا أنزلناه قرآناً عربياً غير ذي عوج)(بلسان عربي مبين) ولما بينه وبين الذوق العربي من الملاءمة والاتصال، ولذلك عرف العرب قدره وعظموه وأعطوه من التبجيل والاحترام، ما لم ينل بعضه الإنجيل من أتقى النصارى، بل إنهم عدوه معجزة خارقة. وكيف لا يكون كذلك وقد عجزوا وهم البلغاء والفصحاء على أن يأتوا بسورة من مثله (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين).
إنه الوحي المنزل من عند الله هدى للناس وتبصرة وسراجا منيرا يوضح لهم سبل العيش ويهديهم صراطا مستقيما، ومنذ أن نزل القرآن وهو قاعدة التشريع والعمل والقانون المتبع في شؤون الحياة ومسائلها، وما برح في كل زمان ومكان مصدر أحكام القضاة ومرشدهم يستنيرون به ويهتدون بهديه، ومن تعظيم العرب له أنهم جعلوه درسا واجبا على كل مسلم حفظه ودرسه والاسترشاد به في أمور الحياة ومشكلاتها. وفي البلاد الإسلامية مساجد يرتل فيها القرآن صباح مساء وفي بعضها يتلى القرآن جميعه كل يوم مرة، يقوم بهذا العمل نحو ثلاثين قارئا.
إن هذا الكتاب ما يزال رغم انقضاء اثني عشر قرنا على نزوله، يرن صوته في آذان آلاف من المسلمين وفي قلوبهم تتجاوب أصداؤه جنبات كثير من بقاع الأرض في كل يوم وساعة ولحظة. وقد قيل إن بعض الفقهاء قد قرأه أكثر من سبعين مرة.
وما أبعد الفرق بين القرآن والكتب الأخرى إذ أن تلك الكتب قد أصبحت كلمات لا صلة لها بالله الذي نزلها، بعد أن شوهها أهلها بالتحريف والتزوير لتناسب أغراضهم وتقضي حوائجهم. أما القرآن الذي بقى كما هو فإنه لا يزال يتخذ المكان الأول من قلوب المسلمين، بل أنه كثيرا ما يستولي على أفئدة السامعين من غير المسلمين، فإن الكلام إذا خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان أما إذا خرج من القلب فإنه ينفذ إلى قلب سامعه، وهذا هو حال المسلمين مع القرآن إذ أنهم يخرجونه من قلوبهم بعد أن طهرها من كل رجس ونقاها من