لقد اتهم بعض الحاقدين محمدا، بأنه هو الذي وضع القرآن، وأن القرآن ليس إلا بعض الخدع والحيل البلاغية لفقها محمد ليشغل بها الناس عما يرتكب ويلهيهم عما يقترف ولتكون له أعذاراً وذرائع ليبلغ بها ما تصبو إليه نفسه من مطامع وأهواء وغايات. وهؤلاء قد أعماهم التعصب البغيض عن التمييز بين الحق والباطل. وقد آن لنا أن نرد لهؤلاء أقوالهم في نحورهم، ليعلموا أنهم قصيرو النظر وأن الحق لا بد منتصر يوما وواجد أعوانا ومدافعين. إن هؤلاء شديدو البغض للحق بعيدون عن الصراحة. ولولا ما استولى على نفوس هؤلاء من حقد على محمد والإسلام لوضعوا الحق في نصابه ولكانت الصراحة رائدهم، فإن من كان صادق الحس ثاقب النظر، لن يرى في القرآن ذلك الرأي الباطل الذي لا يصدر عن عاقل يقدر الأمور ويضعها في مواضعها.
إني والله لأمقت كل من يحاول أن ينال من محمد ويرميه بمثل هذه الاتهامات والأكاذيب. فالقرآن لو تدبرتموه وعرفتموه لوجدتموه جمرات ذاكيات من الحق والصدق والخير والهدى والرشاد. . . التي يحتاجها العالم وبغيرها يهوى إلى قرار سحيق. إنها جمرات قذفت بها في نفس محمد الكبير، القوة القاهرة، بعد أن أذكت هذه النفس وأوقدتها الأفكار الطوال في الخلوات الصامتات. إننا لو عرفنا سيرة محمد لوجدنا أن تدفق الحوادث وتدافع الخطوب يحول بينه وبين تنسيق الكلام والروية في القول. ويالها من خطوب كانت تحدق به من كل جانب وتحيط به من كل مكان، فقد قضى الثلاث والعشرين سنة التي أخذ يدعو الناس فيها إلى الإسلام قطبا لرحى حوادث ومصادمات وحروب طاحنة مع قريش ومن ألبتهم عليه من العرب، ومصادمات مع أطراف الدول الأخرى المتاخمة لجزيرة العرب، وغير ذلك من عالم كله هرج وفتن ومحن قاسية، كل ذلك جعله في عناء دائم ونصب مستمر بعد تكليفه بتبليغ الرسالة التي أوحيت إليه، فلم تذق نفسه الراحة والهدوء من ذلك الوقت، فمن الخطأ أن نقول: أنه هو الذي وضع هذا الكتاب البليغ الأسلوب المنمق العبارة، الشامل لمسائل الحياة، الدنيا والآخرة والذي أعجز بلغاء العرب عن الإتيان بمثله. إن من أكبر العار على العالم أن يتهم محمدا بهذا الاتهام الباطل الجائر.
وإني لأتخيل محمدا ذا الروح الوثابة والقلب الكبير وهو يتململ ليله ساهرا، فإذا ظهرت له