فأقل ما يقال عن تطور الرسالة مع الزمن أنها لم تتقدم في عصر المطبعة والبريد، وأنها أصبحت من الموضوعات التي لا تخص بالتجويد والتحسين، وقد خص بالعجلة وقلة الاكتراث.
وهذا سبب من أسباب الحرص على هذا التراث الذي يستحق الإحياء والاستبقاء، ولعلنا نحييه ونحب العناية به إلى كتابه إذا أعدنا ذخائره القديمة إلى الذيوع والتداول، وأضفنا إلى رسائل البلغاء في اللغة العربية نماذج أخرى من رسائل البلغاء في اللغات العالمية، كما فعل صاحب الكتاب.
هذا الكتاب هو (رسائل العالم الكبرى) وجامعه هو لنكولن شستر الأمريكي ومصادره هي لغات العالم القديم والحديث ومنها اللغة العربية. فقد ترجم منها رسالة الاسكندر إلى دارا التي يسمى فيها الاسكندر بلفظه العربي ذي القرنين، وترجم غير هذه الرسالة من الروسية والألمانية والفرنسية واللاتينية والإغريقية. فكان الكتاب من أوفى مجموعات الرسائل الكبرى التي ظهرت في العهد الأخير.
ومن أصحاب الرسائل المجموعة رجال من أعظم أعلام التاريخ في العلم والفن والحرب والسياسة. نذكر منهم كولمبس وباكون وفولتير وواشنطون ونابيلون وروبسبير وهكلي الكبير وبيتهوفن وبيرون ودستيفسي ونتشة ولنكولن وزولا ومارك توين وعشرات من هذه الطبقة في العصور القديمة والحديثة، يفرغون قلوبهم في ودائع أدبية لم يقدروا لها - أو لأكثرها - أن تصل إلى أيدي القراء، ويسرون فيها أحياناً غير ما يعلنون من الوساوس والآراء.
وفي المجموعة رسائل لأناس لم يشتهروا في الشرق كما اشتهر الذين ذكرناهم فيما تقدم، ولكن رسائلهم في الغرب ذخيرة من أنفس ذخائرهم المروية بين الأدباء والأديبات، ومن هذا القبيل رسائل أبيلاب الفيلسوف الكاهن وهلواز الفاتنة المترهبة، وقصة حبها الفاجع كأغرب القصص التي تروي عن عشاق العرب المشهورين.
توفر على ترجمة نخبة من هذه الرسائل إلى اللغة العربية أديب قدير في النقل من الإنجليزية إلى العربية ومن العربية إلى الإنجليزية، وهو الأستاذ محمد بدران، وأصدر الجزء الأول منها في أكثر من مائتين وأربعين صفحة من القطع الكبير، وسماه أشهر