الرسائل العالمية، وأجاد النقل في لغة سهلة صحيحة دقيقة التعبير. فهيأ لقراء العربية مادة من القراءة الممتعة النافعة لم تتهيأ لهم قبل هذا الكتاب، وأعطاهم في كل رسالة من هذه الرسائل التي بلغت خمساً وستين زادا للفكر والعاطفة يقعم القلب والخيال.
ويأبى شتر صاحب المجموعة الإنجليزية أن يصدق أن عصر البرق والتلفون قد جنى على الرسائل وضيق عليها المجال. فهو يقول في مقدمة المجموعة:(إن اعتقاد المعتقدين أن البرق والتلفون قتل فن المراسلة هو في رأي اعتقاد بغير أساس. ومن حين إلى حين ينهض كاتب من كتاب المقالات والفصول فينعاها ويأسف لزوالها في غضب مشروع، وإنه لكمن ينعى وقائع الحب العظمى والصراع العظيم والفن العظيم والمأساة العظيمة والخواطر العظيمة، وقد يجد الجواب المبين في الرسائل الباقية التي احتوتها هذه المجموعة واشتملت على تلك الصيحات المثيرة التي بدرت من أميل زولا وروبرت لويس ستفنسون ومدام كوري وبارتولميو فانزيتي ولورنس وكونراد وتروتسكي وتوماس مان. وغيرهم من المعاصرين الذين انتخبنا لهم بعض الرسائل في هذه المجموعة. . .)
وعندنا أن هذا الإشفاق من الرجل المشغوف بفن المراسلة هو ضرب من إشفاق الوالدين على الأبناء.
فكل فنان متعلق بنفه يأبى أن يسمع نعيه أو يترقب زواله، وكل والد يحب وليده يأبى أن ييأس من حياته ولو أنذره باليأس منه أقدر الأطباء.
ومثل هذا الشغف معقول ومقبول، ولكنه لا ينفى الحقيقة التي تدل عليها عبارة المؤلف هذه وهو يسوقها لنفسه وللقراء مساق الطمأنة والتبشير. فلو قيس ما كان ينبغي أن يكتب في العصر الحديث من رسائل الأدباء إلى ما كتب فعلاً واختاره في المجموعة لظهر أن الواقع لا يتجاوز معشار المطلوب أو المأمول. فإن العصر الحديث يخرج لنا من الأدباء في كل قطر ما يربى عدده في الجيل الواحد على عدد أمثالهم في جميع العصور اليونانية واللاتينية، وهم مع هذا لم يكتبوا جميعاً مثل ما كتبه الأدباء الأقدمون أو ما كتبه معاصروهم من العظماء والرؤساء.
فلا شك في جناية البرق والتلفون والبريد والمطبعة ومقابلات المسارح ودور الصور المتحركة على تبادل الرسائل البليغة ومساجلات العاطفة والفكر بين أبناء البلد الواحد