فضلاً عن البلاد القصبية، ولكن الأمل في دوام هذا الفن منوط بكثرة الكاتبين وإن قل نصيبهم من الكتابة. فإن ألفاً يكتب عشرهم وينقطع عن الكتابة تسعة أعشارهم أوفر أثراً من عشرين أو ثلاثين يتبادلون الرسائل أجمعين، ومن هنا يرجى دوام هذا الفن الجميل في عصرنا الحديث على الرغم من مواعيد التليفون ومقابلات المسرح وقلة الاكتراث بالرسالة الخاصة إلى جانب المطبوع والمنشور.
على أننا نحسب أن هذا الفن على جماله وإغوائه لا يستغني عن التشجيع والاستبقاء، وليس أدعى إلى استبقائه وإغراء القراء به من تزويدهم بالنماذج التي يلتذونها ويقبلون عليها ويستزيدون منها فقد يكون هذا الإقبال مدعاة إلى المحاكاة أو إلى ابتداع فن للمراسلة لا يتوقف على مرسل ومرسل إليه بل ينفرد به كاتب واحد يفتن في الخطاب والجواب.
ولم يكن هذا التراسل المخترع بدعا في العصور الأولى وهي العصور التي ازدهرت فيها الرسالة ولم يكن لأصحابها غنى عنها بالبرق والتلفون. فقد حقق شميدلر الباحث الألماني أن رسائل أبيلارو هلواز قد أنفرد أبيلار بكتابتها كلها ولم تشاركه فيها هلوار على ما هو مشهور في الآداب الأوربية، وعرض برتبراند رسل لهذه الدعوى في كلامه عن أبيلار فقال: (إنني لست من ذوي الاختصاص في تمحيص هذه الدعوى، ولكني أرى إنه ليس في خلائق أبيلار المعهودة ما يمنع قبولها ويجعلها في حكم المستحيل.
فإذا جاز هذا فيما مضي فهو أقرب إلى الجواز في العصر الذي نحن فيه، ولا شك أن صدق الواقع أجدى في كتابة الرسائل من صدق الفن أو صدق الإبداع. ولكن صدق الفن لا بأس به على العلات إذا كان فيه تعويض لجناية البرق والتليفون على نوع جميل من الكتابة تحيق به نذر الزوال.
وليس أولى بتحقيق هذا الغرض المرجو من عمل كعمل الأستاذ بدران، ولعل إقبال القراء على جزئه الأول يجعل بظهور الأجزاء التالية وإضافة النماذج الجديدة إلى النماذج القديمة، من مصادر شتى تفتح له أبوابها معرفته الوافية بالإنجليزية، وهي لا تخلو من أوسع المراجع في هذا الموضوع.