وبعد فعلم الاجتماع وعلم العادات من العلوم التي لها قيمتها وجدواها، ولكنهما لا يحلان محل الأخلاق التي تقدر الأعمال وتضع لها قواعد للسير عليها. الاستقراء المطبق على تجارب التاريخ يعلمنا حقيقة ما كان في الماضي وما هو كائن الآن لا ما يجب أن يكون. ذلك أن دراسة ماضي مسألة من المسائل من الوجهة التاريخية كمركز المرأة وحقوقها مثلاً معناه الوقوف على ما كان خاصاً بذلك من نظريات مما يجعل الدارس أكثر صلاحية من غيره لمعرفة ما إذا كان من الخير الاحتفاظ بالحالة الراهنة فيها أو تناولها بالتعديل قليلاً أو كثيراً؛ لكن هذه المعلومات التاريخية والاجتماعية التي أمدّنا بها البحث لا تكتفي وحدها لفرض حلّ حازم سواء أكان حلاً محافظاً أم معدلاً أم ثائراً. هذا حق لا شبهة فيه؛ إذ كيف يمكن تاريخياً معرفة ما يمكن أن يكون في المستقبل! أكبر دروس الماضي أنه مضى لطيته، وأن الحاضر يجب أن يتبعه أيضاً. والأخلاق لا يكفيها هذا بل تسعى كما قلنا لمعرفة ما يجب أن يكون.
وأخيراً، إذا كنا لم نرتض نظرية من النظريات السابقة التي تواردت بشأن الطريقة التي تتبع لتعرف القانون والمثل الأعلى الأخلاقي، فما هو إذا الحل الذي نرضاه؟ هذا الحل هو ختام هذا البحث الذي قد طال وقوفنا عنده
التجربة الأخلاقية
ليست الحياة الأخلاقية إلا مجموع أعمال نفسية واجتماعية خاصة، فمن الممكن أن نقول بتطبيق الطريقة الاستقرائية عليها، ولكن على نحو آخر غير الذي رآه الأستاذ (ليفي برهل). والعقل العلمي لا يتطلب منا أن نلتزم في كل موضوعات البحث طريقة واحدة، إذ يتطلب فقط أن يلائم المرء بين موضوع البحث وطريقته، وأن يعني الأخلاقي بأن يقارب بالقدر الممكن بين الطريقة التي ينتهجها في الأخلاق والطريقة التي يستخدمها العالم في العلوم التجريبية؛ أي أن يصدر عن تجارب واسعة وصدر رحب وروح غير متحيزة لا تدع للخطأ سبيلاً. هكذا عالج العلامة روه) موضوع طريقة الأخلاق في مؤلفيه القيمين، وهما:(التجربة الأخلاقية، ودراسات الأخلاق)
يرى هذا البحاثة أن العالم يقبل كمبدأ لبحثه اكتشافات أسلافه وآراءهم كفروض على الأقل