الفتوح العظيمة؛ تلك الروح التي تتمثل في قول خالد ابن الوليد حين لاقاه أهل الحيرة فقال لهم (أدعوكم إلى الإسلام فإن أنتم فعلتم فلكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، وإن أبيتم فأعطوا الجزية، فان أبيتم فقد أتيتكم بقوم هم أحرص على الموت منكم على الحياة)
لقد كان فتح العرب لبلاد فارس حادثا جديدا في تاريخ الإسلام من الناحتين الفكرية والاجتماعية، كما كان له أثره القوي فيما بعد - في الناحية السياسية والدينية لِما ظهر عند أهله من هوى عنيف للمذهب الشيعي، وإن أرجع بعض المستشرقين هذا الميل إلى زواج الحسين بن عليّ (بشاه بانو) إحدى بنات يزدجر الثالث آخر ملوك آل ساسان، ومن زعماء هذا الرأي الأستاذ جولد تسيهر.
دخل المسلمون هذه البلاد الغريبة عنهم في حضارتها وتاريخها ونظمها السياسية وتفكيرها، فكان ثمة احتكاك تولدت عنه نزعات جديدة في كل هذه الأمور، ولعبت العصبية القومية دورا خطيراً على مسرح الحياة العامة فكانت دعامة الدعائم في قيام الدولة العباسية التي اتخذت عاصمتها في بلدٍ ينزع أهله إلى تأييدها
كانت بلاد الفرس وقت أن دخلها العرب مللاً متباينة، ونحلا مختلفة متنازعة، فهناك الصابئة والمجوس وأتباع ماني وزرادشت، وهناك أهل الكتاب من يهود ونصارى، فكان القوم بين مشرك ووثني وموحِّد ومثلث، فلم يكن الاضطراب سياسيا فحسب، بل كان دينيا كذلك. فوجد العرب هذه البلاد على حال من الفوضى السياسية والاجتماعية والدينية، فكان العبء عليهم ثقيلا، وكانت التركة بين أيديهم تتطلب منهم سياسة حكيمة ماهرة، حتى يستطيعوا أن يهيئوها لغد يزهو على الأمس، ويجعلوا من أهلها دعاة للحنيفية السمحاء
لقد مرت القرون تنري والقوم مقيمون على الشرك وعبادة النار والنجوم، فما أهل الإسلام عليهم بنوره حتى تسارعوا زمراً لاعتناقه والدفاع عنه، فكان أئمة الدين وجلة علمائه من أهل فارس حتى لقد لاحظ ذلك ابن خلدون فقال:(من الغريب الواقع أن حملَة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، لا من العلوم الشرعية، ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي) وكان أشد المدافعين عن الدين وعن العرب من رجال الفرس حتى في الأوقات التي ظهرت فيها العصبية القومية بأجلى معانيها، وفي الوقت