لأنفسنا فناً وعيشة وسيرة وحضارة ليست مسلوبة ولا منتزعة ولا مستعارة من أحد من خلق الله، بل هي فتنتنا نحن وعيشتنا نحن وحضارتنا نحن، تألفها نفوسنا وقلوبنا، ويعرفنا الناس بها وتكون علماً علينا، وتدل على أننا نصنع الفن فنجيد، ونبني الحضارة فنبدع كما أبدع آباؤنا رضي الله عنهم. يوم واحد تعيشه في الماضي وتحس أنك قد عشته وتمليت بالعيش فيه، لهو ذخيرة لا تنقد تعينك على فهم طبيعة الأرض التي تسكنها، وعلى الوصول إلى كنه ما تنطوي عليه نفسك، وهو بعث للهمة الراقدة وإحياء للقوة الكامنة، وتحرير لنا من أسر التعبد للمدنية الغربية على غير هدى وفي غير طائل. يوم في الماضي يحرر المرء من أسر الحاضر، فإذا نالت النفس حريتها فهي خليقة أن تعرف طريقها إلى تحرير أمة من استعباد أمة أخرى، أرادت أن تفرض عليها إرادتها وحضارتها معاً. ونحن مقبلون على اليوم الذي ينبغي أن تملأ فيه قلوبنا حرية مستمدة من أصولنا البعيدة، لا حرية مستعارة من الأمم المعاصرة، فلترجع إذن إلى الماضي قليلاً، ففيه المدد الذي لا ينفد والمعين الذي لا يغيض.