(دخل دمشق معتقدا إن الدنيا في يده قد حصلت، وأن سعده استخلص له الأيام والليالي والممالك شرقاً وغرباً)، ولكن المنية كانت على مقربة منه كما قال تعالى:(حتى إذا فرحوا بما أُوتوا أخذناهم بغتة) سورة الأنعام.
وكان رحمه الله ورضوانه عليه بطل من أبطال الإسلام أمضى العمر مجاهدا في سبيل الله ذائدا عن دينه وصفه المعاصرون فقالوا (كان طويل القامة أسمر اللون أزرق العينين أشعر اللحية جهوري الصوت شديد الهيبة تخضع له اسود الرجال وكان خفيف الركاب سريع الحركة لا يستقر في جهة حتى يظهر في جهة أخرى).
يوماً بمصر ويوماً بالحجاز ويو ... ماً بالشام ويوماً في قرى حلب
كان رجلا من رجال الله يحمل بين جنبيه قلباً لا يعرف المخاوف ولا ترهبه الأخطار، وكان بعيد الهمة عظيم الآمال يقدم بطبعه على عظائم الأمور ويرحب بالمجازفة ومقارعة الأخطار، يواجهها وهو ثابت مطمئن ويدفعها بالهدوء الذي يلازم النفس المطمئنة ذات النظرة النافذة التي لا تحيد عن الهدف ولا ترتد، والتي تشعر بأن لصاحبها من القوى الكامنة والظاهرة ما يجعله يسيطر على حوادث الزمن، وان فيه من صفات الرجولة ما يجعله بطلا من أبطال العالم، وإنها تشعرك بان لوازم القيادة متأصلة فيه، فهي التي أوصلته أن يتحكم على نفسه ويقودها كما يشاء ثم مكنته أن قاد الناس معه.
كان من أبطال المسلمين المؤمنين بعظمة الإسلام لا ينفك يفكر فيه ويخفق قلبه له، فهو من أولئك الذين إذا قاموا بعمل عظيم وضعوا كل شيء في سبيل تحقيقه والوصول إليه. هؤلاء ليس لهم أن يختاروا من الأمور أوسطها وأسهلها أو يقفوا بين طريقين مترددين وجلين؛ لم يكن من أولئك الذين تشغلهم أمور الدنيا فترى الواحد يوزع جهوده ذات اليمين وذات اليسار. بل كان في الطريق الذي يضع عقله وروحه وما يملك في إتمام ما بدأ فيه ويحشد عواطفه وغرائزه، في تأكيد إرادته نحو الغاية التي ينشدها، فكان أن وصل بالإيمان والثقة إلى أن تملكته نفحة من تلك النفحات الدافعة التي يسبغها المولى على من اختار من عباده، فأصبحت هذه النفحة غريزة في خلقه وقوة نفسه ودمه، تحركه للعمل والجهاد في سبيل وخدمة دينه ونصرة كلمته، فغدا بهذه النفحة قوة من قوى الخالق جل شأنه (آني لهذا أقمتك لكي أرى قوتي فيك).