عجب الناس له: إذ رأوه ملكا على اعظم ما تكون الملوك عليه هيبة ووقارا، قائدا على اعظم ما يكون عليه القواد أمام الأخطار والمعارك، ساس الملك وخاض المعارك فأدهش الدنيا بملكه وعظمته، وأدهشتها بفتوحاته وانتصاراته ومواقعه الحاسمة الفاصلة. حكم فعدل، وخطب باسمه في مشارق الأرض ومغاربها وأعاد الخلافة العباسية، وقاد الجند في الحروب فما من معركة دخلها ذد الإفرنج أو التتار إلا وانتزع النصر من أيدي أعدائه، فحطم قلاعه وحصونهم وساق الملوك والأمراء والقادة أسرى بين يديه. لهذا بقيت صورة الملك الظاهر حية خلال الاعصر، ولهذا صاحب أعماله السنين، وبقيت خالدة مع الزمن راسخة في قلوب الناس جيلا بعد جيل يتناقلها الخلف عن السلف ويسمر بسيرته الرجال.
ألم تر السامعين لسيرته. ما الذي يجمعهم حولها ويجعلهم يأنسون بها؟ انهم يلتمسون من عزيمته وعزمه ما يقوي عزيمتهم وعزمهم، وانهم يرون في صبره وإقدامه وشجاعته ما يخفف من وقع الأحداث والنوائب عليهم، ولذلك عاشت سيرته وأعماله وأصبحت أعماله مضرب الأمثال، وأطلت شخصيته من وراء الأجيال والقرون تحدث الناس بدوري البطولة والمجد.
وفي ليلة وفاته كتب مؤلف سيرته:(قبض الله روحه الزكية فرجعت إلى ربها راضية مرضية، وكأن نفوس العالم كانت نفساً، وانزل الله السكينة فلا تسمع إلا همساً، واستصحب نهايته السكوت، وخادعت العقول نفسها بين مصدق ومكذب، وسكتت الشفاه والألسنة، وتناومت النفوس من غير نوم ولا سنة، وأسدلت ستور المهابة، وافرد بقاعه من القلعة يوماً إليه بالترحم والسلام، ولا يزوره غير الملائكة الكرام، وكانت مدة مرضه قدس الله روحه ثلاثة عشر يوما، وهي مدة مرض الشهيد صلاح الدين رحمهما الله تعالى).
وفي قاعة من بيوت الجند من المماليك البحرية بقلعة دمشق وضع جثمان الملك الظاهر في تابوت بعد أن تولى غسله وتصبيره وتكفينه خادمه الخاص الشجاع عنبر، وساعد المؤذن كمال الدين علي المنيحي بحضور الأمير عز الدين الافرم، وبقي التابوت معلقا حتى شهر رجب من تلك السنة حينما جاء وفد من القاهرة لدفنه بتربته التي أنشئت بالمدرسة الظاهرية. ذكر صاحب البداية والنهاية: إن العمارة بدأت في يوم السبت تاسع جمادي الأولى في مكان الدار المجاورة لحمام العقيقي تجاه المدرسة العادلية ووضعت أسس التربة