لشيخوخته ولأهله من بعده ما يقيهم شر الحاجة وذل السؤال. ومما يؤسف عليه أن أولئك الذين تلهيهم سعة الحاضر عن مفاجآت المستقبل كثيرون في بلادنا، وضحاياهم عديدون، نصادفهم كل يوم فلا يثيرون في نفوسنا غير الإشفاق والرثاء.
قال المرحوم أحمد بك لطفي أحد أبطال التعاون (هل في مقدور الجمعيات الخيرية مساعدة كل هؤلاء، والعناية بتربية أولادهم والصرف على بيوتهم؟ وهل يمكن أن يعيشوا من مد يدهم للناس وإراقة ماء وجوههم للغير؟ ليست هذه الأحوال خاصة بمصر، فإنها وجدت خلال القرون الأخيرة في غيرها من البلاد الغربية، ولم ينجح فيها استعمال الإحسان والصدقة، ذلك لأن الإحسان وإن كان من الفروض الدينية، إلا أنه بحسب القوانين الوضعية ليس إلزامياً، بل هو متروك لمروءة الإنسان، فلا عطاء بغير مقابل، ولا وسيلة لإرغام الناس على القيام به. لذلك لجأ الناس هناك لنوع من الإحسان يتحقق فيه الإلزام بأجلى معانيه، وهو تبادل الإحسان بين الفرد والجماعة بنظام مخصوص يجعله محققاً، ويسهل تنفيذه بغير أثقال على النفس ولا بتضحية كبيرة. وهذا العلاج وهو ما يسمى بالتعاون).
يقوم التعاون على مبدأ تبادل المنفعة بين الفرد والجماعة. فإذا ما أتحد عدد كبير من أرباب الأسر الذين يعيشون من كسبهم على تأليف جمعية تعاونية على أساس أن يؤدي كل واحد من كسبه اشتراكاً دورياً لصندوق الجمعية، وأن يستثمر جزء كبير من الأموال المتجمعة في أوراق مالية أو عقار على أن يصرف للعضو عند مرضه أو عطله ما يعالج به نفسه ويقوم أوده مدة عطلته من العمل، ويصرف لورثة من يتوفاه الله منهم مال أو معاش يستعينون به على الحياة، وإذا أقعدته الشيخوخة يصرف له مبلغ معلوم من المال أو يخصص له مدى الحياة معاش، أمكن تبادل المساعدة والمنفعة بغير أضرار بالفرد ولا بالجماعة.
ولتثبيت نظرية التعاون في الأذهان نضرب المثل الآتي:
أتفق جماعة من الأفراد عددهم خمسمائة من أعمار مختلفة تتراوح بين الثلاثين والخمسين سنة على تشكيل جمعية تعاونية، على أساس أن تدفع الجمعية خمسمائة جنيه لورثة العضو منهم إذا توفى قبل بلوغه سن الستين أو عند بلوغه هذه السن إذا ظل حياً، مقابل أن يؤدي