عليها صبغة الفن، فبقى المسرح غريباً أو أجنبياً وإن كانت لغته العربية حيناً، والعامية أحياناً، صار المرء يؤثر أن يقرأ هذه القصص في الأصل أو بإحدى اللغات التي نقلت إليها، أو أن يشاهد ما يعرض منها في دور السينما.
وقد قطع المسرح - أو باعد على الأقل - ما بينه وبين الأدب، فكانت تلك جناية ليس كمثلها جناية، ألوت به أشد الإلواء، وأتت عليه من قواعده، ولسنا نفرد رجال المسرح أو الأدباء باللوم، فان كلا من هؤلاء يحمل نصيبه، ولعل رجال الأدب قصراً في الاتصال بالمسرح، وعسى أن يكون الذنب للاتجاه العام الذي سار فيه الأدب المصري بعد نهضته الحديثة، فقد كانت العناية كلها - أو جلها - بالشعر والبحث والنقد، ولم تكن القصة تشغل حيزاً في هذه الحلبة الواسعة، ولكن رجال المسرح كانوا أشد تقصيراً، فقد كانوا يستطيعون أن يحولوا إليهم جدولاً من ذلك النهر الفياض، غير أنهم تهيبوه وأشفقوا من مطالبه، وظنوا في مقدورهم أن يستغنوا عنه، واجروا سفينتهم على العامية فجنحت بهم ولزقت بالأرض، وتحطمت على الصخر.
والعامية لفظة نطلقها هنا على اللغة وعلى أسلوب التناول أيضاً، فنحن نعنى بها الجمل باللغة، والجهل بالروح التي كان يجب أن يستوحيها المسرح، وهو توسع في التعبير نجيزه لأنفسنا في هذا المقام ولا نرى منه بأساً، ولا نخشى معه التباساً، والأدب وحده هو الذي يدخل في وسعه أن يهتدي إلى اللغة المرافقة لقصة المسرح، وهو وحده الذي يستطيع أن يستلهم روح الجماعة، فأما أنه هو الذي يقدر على الأداء الموافق، فلأن الأدب ذوق وبصر وسليقة وعلم وفن، فان لم يكن هذه فهو ليس بأدب، وأما قدرته على الاستيحاء فذاك لأنه فن، والفن ملكة يحصل بها إدراك الحقائق وإبرازها على نحو يصدق على العموم وإن كان يبدو أنه في أمر على الخصوص، ومن هنا فرق ما بينه وبين التجربة، فإنها معرفة بأحوال معينة وخبرة بها تقتصر عليها ولا تتسع حتى تكون شاملة، أما الفن فيتعاق بالحقائق العامة، وهو فطنة، لا علم، وملكة قد تساعدها الخبرة ولكنها لا تخلقها، وذوق تصقله وترهفه المرانة غير أنه لا يكتسب بها، وإن كانت المرانة تفيد الحذق والبراعة.
ولا يقل أحد إن الجماهير لا تقدر الأدب، وإنها يشق عليها أن ترتفع إلى طبقته كما يتعذر عليه أن ترتفع إلى طبقته كما يتعذر عليه هو أن ينزل إليها، فان القول بهذا اجهل وغفلة،