للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي يذهب إلى هذا الرأي إنما ينظر إلى الشكل والعبارة لا إلى الجوهر والموضوع، ثم هو يخلط بين ضروب متباينة من الأدب. نعم، يعسر على الجماهير غير المثقفة أن تنتفع أو تستمتع ببحث أو درس، أو أن تدرك القيمة الحقيقية لقصيدة، وأن تفطن إلى عناصر الجمال أو الجلال أو القوة فيها، ويعييها أن تبين لماذا يطربها الشعر أو يروقها الكلام ويطيب موقعه من نفوسها، أو يؤثر فيها، ولكنها تميز بغريزتها وإن لم تميز بعقلها، وتحس بروحها وإن عزها الاهتداء إلى السبب، والقصة، بعد، شيء لا عناء عليها في فهمه، لأنها حوادث ووقائع قد يكون أو لا يكون وراءها معنى عويص أو فكرة عميقة، على أن الوقوع على المراد لا يعجز الجمهور إذا سيق مساق القصة، وللناس نفوس، وفيهم نظر ولهم إدراك وإحساس إذا لم يكن لهم علم. وأسلوب القصة يسهل التلقف، ويقرب المغاص، وفي وسع القارئ أو المشاهد أن يعرف مبلغ الصدق في التصوير إذا لم يستطيع أن يقطن إلى دقائق الفن، كما يعجب بالصورة ويشهد لها بالصدق في التعبير، والقوة في النطق، وإن غابت عنه المزايا الفنية التي لا يراها أولا يستطيع الحكم عليها إلا أهل هذا الفن والعارفون به.

وقد تم هدم المسرح لما ظهرت السينما الناطقة، لأن مجالها أرحب، وميدانها لا تكاد تحصره الحدود، وقد تضعضع المسرح في أوربا من جرائها، فلا بدع أن قوضته في مصر، وهو هناك يعانى منها البرح، فغير مستغرب أن يدركه هنا الفناء، وعسير بعد السينما الناطقة أن يقوم في مصر مسرح إلا في ظل الحكومة وبمالها ورعايتها، ولكنه لا خير في هذه الرعاية إذا لم يقض عليه القائمون به الصبغة المصرية، ولم يخلعوا عنه ذلك الثوب المستعار الذي انتهى بأن صار كفناً له، وقد صار أمل المسرح المصري معقوداً الآن برجلين أثنين يتوليانه: حافظ عفيفي باشا، والشاعر خليل مطران، فإذا خاب هذان، فلست أرى أملاً للمسرح وراءهما.

وقد كانت عناية الحكومة - إلى الآن - بالأوبرا دون غيرها، وصحيح أنها اعتادت في السنوات الأخيرة أن تمنح الفرق إعانات، وأن تبذل للممثلين مكافآت، ولكن الإعانة كانت ضئيلة لا تغنى، والمكافأة كانت زرية، وكان الأسلوب الذي تجري عليه وزارة المعارف في منحها لا يخلو من استهان لكرامة الممثل. على أن هذا كله لم يكن إلا ستراً لجودها

<<  <  ج:
ص:  >  >>