للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المعلمين العالية) لها في بغداد تاريخ، فكانت تفتح ثم تغلق، وتفتح ثم تغلق، فاستعنت الله وانتفعت بعطف معالي وزير المعارف الأستاذ محمد رضا الشبيبي وأريحية الأستاذ طه الراوي ومودة الدكتور فاضل جمالي، وعولت على همة زميلي وصديقي الدكتور متي عقراوي، وأقمنا لدار المعلمين العالية أساساً من متين التقاليد الجامعية، فأغنينا مكتبتها بالمؤلفات القديمة والحديثة وعلمنا طلابها كيف يبحثون ويراجعون، وغرسنا فيهم الشوق إلى التحقيق والاستقصاء

ورأيت أن يكون من تقاليد هذا المعهد العالي أن يخرج في كل سنة كتاباً عن شاعر أو أديب أو مفكر لم يدرسه أحد من قبل، فألفت كتابي هذا عن الشريف الرضي. فأن ترفقت شواغلي بمصر وأذنت لي بالرجوع إلى بغداد فسأخرج في كل سنة كتاباً جديداً. وإن أبت تلك الشواغل أن أتمتع مرة ثانية بالاستصباح بظلام الليل في بغداد فسيذكر من يخلفني أني طوقت عنقه بطوق من حديد، وأن لا مفر له من أن يشقى في سبيل (دار المعلمين العالية) كما شقيت

وإنما نصصت على هذه المعاني في مقدمة هذا الكتاب لأجتدي العطف على (دار المعلمين العالية). وممن أجتديه؟ من حكومة العراق، فما يجوز أن يغلق هذا المعهد، وإنما يجب أن تبذل الجهود ليصبح منافساً قوياً لكلية الآداب بالجامعة المصرية

قد يقول قوم من خلق الله: ولماذا ابتدأت بالشريف الرضي! أن قالوا ذلك فالجواب عند الأستاذ عباس محمود العقاد، فهو يذكر جيداً أنني قلت له يوم اخرج كتابه عن ابن الرومي: كان الأفضل يا أستاذ أن تنفق هذا الجهد في دراسة أشعار شريف الرضي

إن قالوا ذلك فالجواب عند الأستاذ الدكتور طه حسين، فهو يذكر جيداً أني نبهته إلى أن الاهتمام بدراسة شعر الشريف الرضي كان أولى من الاهتمام بدراسة شعراء القرن الثالث

إن قالوا ذلك فالجواب عند نادي الموظفين بالقاهرة فقد طلب في سنة ١٩٣٢ أن القي محاضرة عن أعظم شاعر في اللغة العربية فكانت محاضرتي عن الشريف الرضي

ابتدأت بالشريف الرضي على غير موعد، فقد رأيتني فجأة بين دجلة والفرات، فتذكرت أن قد جاء الأوان لدراسة هذا الشاعر الذي تعصبت له منذ أعوام طوال

ويشهد الله وهو خير الحاكمين أني لم أفكر في إنصاف الشريف الرضي إلا يوم قدم لي

<<  <  ج:
ص:  >  >>