للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كمنائر البحر تهتدي بالشعاع. فلما تشوف العلماء إلى زهرة العيش، واستشرفوا لعزة المنصب، انطفأت من حولهم هالة الورع فأصبحوا كالناس يفعلون فيرمُون بالرياء، ويقولون فيُتهمون بالكذب.

تعال أقص عليك حديثاً من أحاديث لواقع لا يزال الناس يرونه كلما حلا لهم أن يوازنوا بين عالم يجري دينه على لسانه فيذهب في قوله، وعالم يجري دينه في قلبه فيشع من مسامه:

كان الشيخ. . . ففيهاً من النمط القديم، قد شغل فكره بالدين، وقصر جهده على العلم، وهب وجوده للأزهر، فهو يقضي النهار وطرفي الليل في التدريس والمطالعة والصلاة؛ لا يكاد يخرج من درس إلا إلى درس، ولا يترك ملزمة إلا إلى ملزمة. فإذا جاء يوم الجمعة خرج ماشيا إلى زيارة الأولياء في المقابر أو في المساجد، ثم يعود مع المساء قرير العين مطمئن النفس إلى حجرته الأزهرية ذات الفراش الخشن والضوء الشاحب ليعدّ درسه الذي سيلقيه في فجر السبت

وفي ذات يوم من أيام الجمع وقع في نفسه أن يصلي الجمعة في مسجد أبي العلاء ببولاق، فخرج من الأزهر في ضحوة النهار وأخذ يسأل عن الطريق إلى المسجد والناس يدلونه أو يضلونه حتى دفعه القدر إلى المكان الرسمي للمومسات

كان الشيخ يسير في هذا الشارع العاهر بعمته العظيمة وجبته الفضفاضة كما يسير الجمل في شارع من شوارع لندن!

كان موضعاً للنظر الساخر وموضوعاً للتنادر البذيء؛ ولكنه كان يمشي ناكس للطرف مشغول الخاطر فلم يفطن إلى شيء. نعم فطن إلى انتقاض وضوئه حين لمست يده بغي من البغايا تريد أن تعبث به. فاستغفر الله وحوقل، ثم سأل صبياً من صبيان ذلك الحي أن يدله على مسجد يجدد فيه وضوءه، فقد كان يكره أن يمشي على غير وضوء؛ وكان الصبي خبيث الفطرة فاحش الدعابة فدله على بيت مومس وقال له: هذه يا سيدي دورة المياه!

دخل الشيخ الدار فإذا فتاة كصورة (القارئة) في متحف اللُّفر قد اضطجعت على كنبتها الوثيرة وهي نصف عارية. فلما رآها أسبل عينه وغمغم بالاستغفار والدعاء ثم قال لها:

- استري نفسك يا بنيتي فقد قربت الصلاة وأوشك المصلون أن يجيئوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>