للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنهضت الفتاة وقد اعتراها نوع من الوجوم ينشأ بين الدهش والعجب فوضعت عليها بعض ثيابها وقالت:

- ماذا تريد يا سيدي الشيخ؟

- أريد أن أتوضأ. نادي أباك يقودني إلى الحنفية!

ألست ابنة خادم المسجد؟

فأجابت الفتاة وقد أدركت كل شيء:

- بلى يا سيدي أنا ابنته؛ وسأقودك بنفسي إلى الحنفية.

فافتح عينيك واتبعني فقد لبست

وأرشدت المومُس العالمَ إلى مكان الطهارة وهو مغْسلها الوردي الأنيق، فوقف أمامه ذاهلاً يرى أداة الزينة ويجد رائحة العطر، ولكنه لم يسترب. ولم يستريب؟ أما يجوز أن يكون في القاهرة طراز من المساجد لم يره؟

وفتح الشيخ الحنفية وتوضأ، وجاءته ببشكير أوبرَ فأمَّره على وجهه فسطعه أريجه. ثم أقسمت عليه المرأة ليجلسن على الكنبة ريثما تهيئ له فنجاناً من القهوة. فجلس الشيخ يذكر الله، وجلست هي بجانبه تغلي الكنكة وتديم النظر إلى وجهه. فلما تمزز الفنجان سألته: إلى أين يذهب؟ فقال لها: إلى مسجد السلطان أبي العلا. فخرجت أمام الدار ونادت عربة من عربات الركوب فأجلست الشيخ فيها، ثم أعطت الحوذي الأجرة وأمرته أن ينزله أمام الجامع. ورغبت الفتاة أن تقبل يد الشيخ، ولكنه أدخلها مسرعاً في ثوبه وقال: لقد ضاق الوقت يا بنيتي عن وضوء جديد. أسأل الله لك الهداية والمغفرة

قالوا: ورجعت المومس إلى دارها وعليها من الشيخ شعاع نفذ إلى ظلام نفسها فأشرقت بالصلاح والخير؛ ثم لم تُرَ بعد ذلك اليوم إلا في ثوبها الأسود قاعدةً تخيط أو قائمة تصلي!

احمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>