من الشعوذة ومن اللذة في عقيدة واحدة، أو برسالة يمت بعضها إلى زهادة المسيح ومت بعضها إلى المزدكية القديمة، وإلى عبادة (عشتروت) التي هي أقدم منها، وإلى ما قبل ذلك من المذاهب الخفية التي لم تنقطع بقاياها قط في الرقعة الغربية الجنوبية من القارة الأسيوية؛ أي في ذلك المكان المعزول الذي تصل إليه آثار الحضارات جميعاً في آسيا وأوربا وأفريقيا، ثم يحفظها جميعاً في عزلته المطوية بعد أن يصبغها بماله من صبغة قلما تمسحها الأجيال
في تلك الرقعة بقيت عبادة الشيطان، وبقيت الشواذ من فرق الباطنية، وبقيت تلك النحلة التي تبيح في تكاياها وصوامعها باسم الدروشة الإسلامية ما ليس يرضاه دين من الأديان الكتابية، وبقيت نحلة (الخليستي) التي انتمي إليها آخر الأمر (راسبوتين) وكانت أصلح ما ينتمي إليه رجل يدل نعته القديم على طبعه القديم. فإن (راسبوتين) كلمة روسية معناها الفاجر أو الداعر. . . وهو لقب اشتهر به الرجل في شبابه من جراء عبثه وعيثه واستهتاره بالشراب والفسوق
ما هي هذه (الخليستية) وما عباداتها وشعائرها المفروضة على أتباعها؟
هي نحلة مدارها على أن الخطيئة مطلوبة لأن الغفران صفة إلهية فينبغي أن تتحقق لله هذه الصفة التي هي أخص صفات الخالق جل وعلا. وإلا فكيف يكون الله غفوراً بغير الخلائق الخاطئين؟ ومدارها من جهة أخرى على أن الإنسان يعيش بالروح مع الله ويعيش بالجسد مع الناس، وأن لله قديسين هم الذين يقودون عباده في طريق المعيشة الجسدية وفي طريق الغفران. فليس يحق للعبد أن يخطئ وحده بغير قيادة من قديسه المختار
وعلم راسبوتين (سلطانه المغناطيسي) العظيم على نفوس أتباعه فزعم أنه قديس الزمان المرسل من قبل الله لالتماس الغفران، فبغيره لن يهتدي أحد في (الطريق) إلى حظيرة الرحمن!
أما هذا (السلطان المغناطيسي) فقد كان في راسبوتين كأقوى ما عرف في إنسان من الناس، حتى بلغ من سطوته أنه سلطه على رجل يمقته وينصب حوله الفخاخ لقتله بالسم أو الخنجر فأنامه وشل حركاته. ولا ريب أن هذا السلطان المغناطيسي مستمد فيه من تلك القوة الحيوانية الهائلة التي أنقذته من السم ومن الخنجر مرتين، وكادت تنقذه المرة الثالثة