من قبل إلى الجبهة الألمانية؛ وفرنسا تحاول أن تستبقي إلى جانبها جميع حلفائها بالأمس؛ أعني بريطانيا العظمى وبلجيكا وإيطاليا؛ وهي تبذل في سبيل استبقاء صداقة إيطاليا جهودا واضحة، ولا ترى بأساً من أن تمالئها في مشروع اعتدائها على الحبشة لأنها تخشى إن هي سلكت سبيلاً آخر أن تلقي بإيطاليا في أحضان ألمانيا، وألمانيا رابضة متربصة تحاول أن تحدث هذه الثغرة في الجبهة الخصيمة؛ ثم إن فرنسا من جهة أخرى تبذل نفوذها في تسيير دول الاتفاق الصغير - يوجوسلافيا، ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا - نحو الغاية التي تعمل لها دائماً، وهي إحاطة ألمانيا بسياج قوي من الدول الخصيمة؛ والواقع إن ألمانيا ما زالت تشعر أنها بازاء هذه الحركة تقع في نوع من العزلة لسياسية والعسكرية يدفعها إلى البحث عن أنصار وحلفاء، وهي قد استطاعت أن تسلخ بولونيا من أحضان فرنسا، ولكن بولونيا ليست قوة كبرى يعتد بها؛ أما بريطانيا العظمى، فهي تشق سبيلها في هذا المعترك، إلى جانب فرنسا في الغالب، ولكن دون خصومة ظاهرة لألمانيا؛ وهي تخاصم اليوم إيطاليا من أجل المسألة الحبشية ومطامعها الاستعمارية في شرق أفريقيا، ولكنها تحاول أن تجتذب فرنسا إلى جانبها في هذه الخصومة، وقد استطاعت أن تحرز بعض النجاح في هذا السبيل.
والخلاصة إن المعترك الدولي في أوربا يقوم اليوم على نفس الأسس القديمة التي كان يقوم عليها قبل الحرب الكبرى: السياسة القومية، والتوازن الأوربي السياسي والعسكري؛ وإذا لم يكن هذا التوازن قد استقر الآن بصورة فعلية فإنه يسير في سبيل الاستقرار، ومتى تم هذا الاستقرار استطعنا أن نعين المعسكرات الخصيمة التي تشترك في الحرب الأوربية القادمة؛ وإذا قلنا الحرب الأوربية فإنما نعني الحرب العالمية، لأن التوازن الأوربي هو أساس التوازن العالمي؛ وليس في العالم بعد أوربا قوة يعتد بقوتها السياسية غير اليابان وأمريكا؛ فأما اليابان فإنها تتخذ لنفسها موقفا خاصا، ولا يمكن تصورها متحدة مع أي دولة أوربية في ميدان غير الشرق الأقصى، وأما أمريكا فإنه يصعب تصورها ملقية بنفسها في غمر المعركة الأوربية مرة أخرى، ومن المحقق أيضاً إن الذي يقود أوربا إلى ميادين الحرب أو السلام هي نفس الدول التي قادتها إلى الحرب الكبرى وهي ألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى وإيطاليا.