صلاتهم مع داخل البلاد، فيعملون بذلك على احتكار تجارتها، دون أن يستولوا على داخليتها. فغايتهم من هذه المستعمرة تنحصر في (الاتجار)، غير أنهم كثيراً ما لا يقفون عند هذا الحد بل يتغلغلون في داخلية البلاد، ويستولون على جميع منابع الثروة الموجودة فيها، وهم في هذا السبيل لا يكتفون بتأسيس ما تحتاج إليه التجارة من مؤسسات، بل يتوسعون في مؤسساتهم داخل البلاد ويستولون على كل ما يجب الاستيلاء عليه لاستغلال مرافقها. فالغاية الأصلية من مثل هذه المستعمرات تكون (الاستغلال).
غير أن بعض المستعمرين لا يكتفون بذلك أيضاً، فإنهم لا يقصرون حظهم على استغلال المرافق الاقتصادية والثروة، وإنما يرمون أحياناً إلى تركيز سياسة الاستيطان جاعلين من البلاد التي يستعمرونها وطناً جديداً لأبناء جلدتهم. وهذا أهم أنواع الاستعمار وأشدها خطراً.
وهذه الأنواع لا يختلف بعضها عن بعض اختلافاً كلياً لأن كثيراً ما يحول جشع المستعمرين البلاد التي يستعمرونها من شكل إلى شكل آخر من الأشكال الثلاثة التي ذكرناها.
إن أبرز الأمثلة على (مستعمرات الاتجار) هي المستعمرات التي أحدثها الأوربيون في سواحل الصين. أما أحسن الأمثلة على (مستعمرات الاستغلال) فهي الهند حيث تغلغل الإنكليز وكانت أغراضهم الأولية استنزاف المنافع الاقتصادية من تلك البلاد الغنية المترامية الأطراف. وأما أوضح النماذج لمستعمرات الاستيطان فنجده ماثلاً في كندا وأوستراليا حيث أتخذ المهاجرون من الإنكليز وغيرهم وطناً جديداً لهم فيها.
وقد يتطور الاستعمار في بعض المستعمرات من طور إلى آخر. مثل ذلك تحول الاستعمار في الهند من شكل الاتجار إلى شكل الاستغلال، وتطور الاستعمار في كندا وأوستراليا من الاستغلال إلى الاستيطان، ونجد بعض المستعمرات ينفذ الاستعمار فيها بشكلين في وقت واحد. فقد حل الفرنسيون الجزائر مستعمرين لاستغلالها، ثم ما لبثوا أن أخذوا يرمون إلى سياسة الاستيطان في بعض أقسام الجزائر كما هو واقع.
إن الغايات الثلاث التي ذكرناها هي الغايات الأساسية التي عملت عملها في تأسيس المستعمرات. غير إن المستعمرين أخذوا يتوخون من الاستعمار غايات أخرى لا تقل أهمية