أدبا (فردياً) كله المحاكاة والتنافر مع أول احساسات أهل الوطن، لأن الأدب كأساس نتاج فكري يتعلق بالمشاعر والعواطف، فهو خاص له لون معين يشتق من طبائع الأمم وميزاتها. (اقرأ كتاب فكتور هوجو وعنوانه (الأدب والفلسفة) وأيضاً ما كتبته مدام دي ستايل عن الأدب والسياسة)
فالفلسفة، والسياسية، والأدب، تتميز بعضها عن بعض ولكنها لا تنفصل، (كالمثلث) إذا ضاع أحد أضلاعه، انعدمت وحدة الوجود الهندسي فيه. كذلك (الرجل) بالمعنى الأدبي هو ذلك الهيكل الفكري الذي تحقق فيه المعارف الثلاث. وليس في عصرنا هذا رجل يتمثل في شخصه ثالوث هذه المعارف الثلاث وانسجامها كالرئيس هريو، فهو بحق رجل الفلسفة والسياسة والأدب
أما عن فلسفته: فذهب يسعى إليها عند مفكر مصري هو فيلون الإسكندري الذي جعل منه موضوعاً لكتاب طريف يمثله في حياته الأولى. وفي دراسته هذا الفيلسوف أكبر دليل على تحقق صفة الرجولة والإنسانية فيه، لأن فيلون يوحد في شخصه وفي انسجام تام عناصر فكرية مختلفة النزعات، فهو يهودي النشأة، مصري المشاعر، يوناني الثقافة. هو عالم مستقل بذاته يتوسط بين العالم اليوناني القديم، وبين عالم التفكير في القرون الوسطى. ففي دراسته إلمام بما تقدم وما تأخر من المعارف في تطور التفكير عند بني الإنسان حتى ظهور العهد الحديث. وفي دراسته أيضاً توفيق بين الإلهام والعقل وبين عالم الشهادة وعالم القداسة، وبين الفلسفة والدين، وبين العقلية اليونانية والعقلية الشرقية. وبفضله أصبحت الإسكندرية العامرة، منارة العلم ومنبع النور في الإيمان والتجريد الفكري. فاهتمام الرئيس هريو بفيلسوف كهذا يدل على مبلغ ما هو عليه من العلم الغزير وسعة الاطلاع، وحاسة (توحيد ما اختلف) مما ساعده أهله ليكون رئيساً لمجلس النواب الفرنسي يقيم الانسجام بين ما تباين من نزعات الأحزاب، وأهواء السياسة، وجموح مناقشاتها العسيرة، لتسير في هدوء إلى سبيل الحق الذي يعلو على شهوات التخصيص الضيق في أصول الحكم
وهو في كتابه هذا يعرض أولاً لمقارنة يهودية التوراة في عهد فلسطين بالمعتقدات اليونانية، ثم مقارنة يهودية الإسكندرية - وكفرع - بنفس تلك المعتقدات الإغريقية؛ وفي موضع ثالث يتطرق إلى تحليل منهج فيلون وآرائه الثابتة في مجال الإلهيات، فيعرض