لنظرية التأليه عنده، وتحديد فهمه لطبيعة الأفكار والأعداد، ويثبت تأثره بفلسفة الفيثاغوريين؛ ثم ينتقل بالكلام أو شرح جوهر النفس وتشعب نشاطها، وعلى الخصوص وصف حياتها (القابلة) التي تتمثل في انفعالاتها وشهواتها الثائرة المريضة، ثم يعرض إلى مذهبه في الأخلاق وطبائع الفضائل وأصول التخلق في الحياة وما بعد الحياة، ثم يشرح أخيراً آراءه في السياسة، فينقد مبادئ الاستبداد والتزعم الجامح
وأما عن أدبه: فهو أدب بني على النبل والورع؛ لم يقصد به فرض وهم في الزعامة على الأدب في فرنسا، لأنه يعرف أن الزعامة تاج يكلل به الناس رؤوس من يتوسمون فيهم أهلية هذه الزعامة، فهي (تسعى) إليهم، دون أن تفرض على الناس فرضاً. وهذه الزعامة لم تقم يوماً ما على الغرور الفكري، ولا على مهاجمة الناس في معتقداتهم وأديانهم؛ ولم يكن التجديد في الأدب يوماً هو الانسلاخ عن تراث الآباء والأجداد والذهاب لما يمجه ذوق البلاد من التواء وغموض في التصور عند الفرنجة، وإنما هو الإقرار بفضل من تقدم من السلف الصالح، وفهم الحاضر الفكري فهما يكفل الإنتاج العقلي في المستقبل القريب. فبهذا تحفظ روح الأمة ومشاعرها، صافية من غير امتزاج، وتسير إلى الأمام في غير ما ترقيع ولا ابتذال
لهذا ذهب الرئيس هريو إلى أدب قومه، واختار من بين فتراته حقبة من الزمان هي الحد الفاصل بين نوعين في الأدب الفرنسي: نزعة المحافظة على القديم التي تتمثل في أدب القرن السابع عشر الميلادي عند راسين ومليير وبوالو، ونزعة (الإصلاح) فيه عند كتاب القرن الثامن عشر مثل روسو وفلتير ومنسكيو. هذه النزعة الثانية نزعة (حربية) لم تنسجم وطبيعة التفكير الأدبي، فقضت على الأدب (الرفيع) بثورتها؛ لأن مجاله أصبح مهزلة لتراشق خطباء الثورة بما يمجه كل ذوق أدبي سليم، ويأباه كل عُرف في التصور والتأدب. وفضت عاصفة السياسة على الاستقرار الأدبي، وحرمته الخضوع لمذهب واحد معين يمثل مشاعر أمة واحدة معينة، له لونه وصبغته الخاصة، وأصبحت أقلام الأدباء كسهم الريح في أعلى المنازل تعصف به الزوابع في كل اتجاه، فهي تباع وتشترى بيع الأنقاض في أسواق السلع البائسة، تدور وتتذبذب في سائر الأحزاب، دون استقرار محدود على مبدأ واحد ثابت لا يتغير