للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يصاب به ناشئة الكتاب، لأن جهدهم القليل يضيق عن شرح الفكرة، فيدورون حولها مجمجمين بالكلم الفوارغ والجمل الجوف. ومن جناية الصحافة على الأسلوب أن أكثر كتابها يؤثرون الكم على الكيف، فيكبرون الصغير، ويطولون القصير، لأن الصحيفة تخرج كل يوم، ولا يجوز أن تخرج بيضاء! وقد كان أحد شيوخ الصحافة يدبج مقالاً في نهرين طويلين كل صباح؛ فإذا نظرت فيه على أن تقرأ سطرين وتترك أربعة بلغت آخره وقد حصلت من ثلثه على ما كان في ثلثيه وكأنك لم تحذف شيئاً! ولعل كثيراً من مزاولي القصص عندنا يفيدهم أن يقرءوا قول ابن الأثير: (جلس إليّ في بعض الأيام جماعة من الإخوان وأخذوا في مفاوضة الأحاديث، وانساق ذلك إلى ذكر غرائب الوقائع التي تقع في العالم، فذكر كل من الجماعة شيئاً. فقال شخص منهم: إني كنت بالجزيرة العمرية في زمن الملك فلان، وكنت إذ ذاك صبياً صغيراً، فاجتمعت أنا ونفر من الصبيان في الحارة الفلانية، وصعدنا إلى سطح طاحون لبني فلان، وأخذنا نلعب على السطح فوقع صبي منا إلى أرض الطاحون، فوطئه بغل من بغال الطاحون، فخفنا أن يكون أذاه؛ فأسرعنا النزول إليه، فوجدناه قد وطئه البغل، فختنه ختانة صحيحة حسنة لا يستطيع الصانع الحاذق أن يفعل خيراً منها. فقال له شخص من الحاضرين: والله إن هذا عيّ فاحش وتطويل كثير لا حاجة إليه، فإنك بصدد أن تذكر أنك كنت صبياً تلعب مع الصبيان على سطح طاحون؛ فوقع صبي منكم إلى أرضها، فوطئه بغل من بغالها فختنه ولم يؤذه. ولا فرق بين أن تكون هذه الواقعة في بلد نعرفه أو في بلد لا نعرفه. ولو كانت بأقصى المشرق أو بأقصى المغرب لم يكن ذلك قدحا في غرابتها. وأما أن تذكر أنها كانت بالجزيرة العمرية في الحارة الفلانية في طاحون بني فلان، فإن مثل هذا كله تطويل لا حاجة إليه والمعنى المقصود يفهم بدونه)

(للكلام بقية)

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>