يجري فيه دم الشباب، ويعد من شجعان قريش وفرسانهم، فخرج مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان فقال: اصحبني ننظر إلى فرس لي. وكان الهرمزان بصيراً بالخيل، فخرج بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله، ثم فقتله. ثم أتى جفينة وكان نصرانياً من أهل الحيرة، أقدمه سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ليعلم بها الكتابة، فلما أشرف له علاه بالسيف فضربه فصلب ما بين عينيه، ثم أتى ابنه أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعى الإسلام فقتلها، ثم أقبل بالسيف صلتاً في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبباً إلا قتلته وغيرهم، وكأنه يعرض بناس من المهاجرين، فجعلوا يقولون: ألق السيف، فيأبى ويهابونه إلى أن أتى عمرو بن العاص فقال له: يا ابن أخي أعطني السيف. فأعطاه إياه، ثم ثأر إليه عثمان بن عفان فأخذ بناصيته حتى حجز الناس بينهما، وأرسل صهيب الرومي القائم مقام الخليفة من أتى به إليه، فسجنه حتى يتم الاستخلاف وينظر في أمره
فلما تولى عثمان الخلافة جلس في المسجد لينظر في هذه القضية التي وقف العالم ينظر ما يفعله الإسلام فيها، فدعا بعبيد الله من سجنه، ثم قال لجماعة المهاجرين والأنصار: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فنصب علي ابن أبي طالب نفسه محامياً عن الهرمزان ومن قتل معه، وقال لعثمان: أرى أن تقتل عبيد الله. وهو في هذا يرى أن النص صريح في القصاص من القاتل، ومتى كان هذا أمر النص وجب الحكم به، ولا يصح أن يراعي معه شيء آخر، ولا أن يغلب على حكمه ما يقترن بحادث القتل من مثل ما أقترن به في هذا الحادث، لأن أمر النص فوق كل شخص، وحكمه يعلو على كل اعتبار، وهو في هذا يتمسك في عصرنا بألفاظ القوانين، ولا يبيح العدول عنها في حال من الأحوال. وقد وضع علي بهذا أول حجر في أساس تشيع الفرس له
ونصب جماعة من المهاجرين أنفسهم للدفاع عن عبيد الله، فقالوا في الدفاع عنه: قتل عمر بالأمس وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم! أبعد الله الهرمزان وجفينة! وكأني بهم يخالفون علياً في ذلك النظر إلى النص، ويرون أنه قد يطرأ من الأحوال ما يجب معه التساهل في أمر النصوص، وتغليب الاعتبارات التي تمنع من الأخذ بها، فلا يجب أن يتقيد القاضي بها دائماً، بل يجب أن يترك الأخذ بها وعدمه لتقديره واجتهاده، ولحكم الأحوال التي تقترن