هذه هي كل النتف والشذرات التي عثرت عليها في كتب التراجم لذلك العهد السحيق. وكل هذه التراجم - إن صحت تسميتها بذلك - لا تكشف لنا عن حياة الشاعر، ولا تبين مقدار قوة شاعريته أو ضعفها، ولا توضح أثره في الأدب، ولا تتناول أدبه بالنقد والتحليل. والذي يستوقفني منها بصفة خاصة قول المراكشي:(كان هذا الرجل أسرع الناس خاطراً في الشعر) وقول أبن بشكوال نقلاً عن الحميدي (إن شعره كثير، وأدبه موفور)، فأين ذلك الأدب الموفور والشعر الكثير الذي واتاه به طبعه الدافق في يسر وسهولة؟ أين قصائده في الهجاء الذي (كان يتلفت إليه تلفت الظمآن إلى الماء؟) أين قلائده التي قلد بها ملوك الطوائف حتى تهادته تهادي الرياض بالنسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس بالمقيم؟ أين خرائده في الوزراء الذين أغدقوا عليه النعم؟ أين أين ذلك الشعر الرخيم؟؟ لقد غمره طوفان الفناء فيما غمر، ولم يبق له جرس ولا أثر، والمسؤول عن ذلك هو الحصري نفسه فهو الذي أهمل ولم يحسب لذلك الطوفان حساباً، ولم يدون من شعره غير كتاب اقتراح القريح واجتراح الجريح. ولدينا مجموعة صغيرة من شعره في الغزل والنسيب أسمها (معشرات الحصري) سنتكلم عنها بعد أن نروي لك كثيراً من شعره في اقتراح القريح. . .