في لفظ يلائمه رقة ولينا وعذوبة، أو روعة وعنفا وخشونة؟ أكان شعرك يتناول حقائق العلم ونظريات الفلسفة، أم كان شعرك يتناول الطبيعة وجمالها، يتناول العاطفة وحرارتها، يتناول الرضا والسخط، يتناول الفرح والحزن؟ لقد كنت شاعرا وتعرف أن الشعر فن كله، يفسده العلم أو يكاد يفسده إن دخل فيه، وكنت شاعرا وتعرف أن الشعر ليس هو الكلام الذي يعتمد فيه صاحبه على البحث والمقارنة واستنباط الحقائق، وإنما هو الكلام الذي يعتمد فيه صاحبه على الخيال، ويقصد فيه إلى الجمال الفني الذي يختلب الألباب ويستلب العقول. ستقول هذا وأكثر من هذا، وأنا أحب أن أستمع منك إلى هذا الكلام وأمثال هذا الكلام، لأن هذا الكلام نفسه لا يؤيدك في شيء، ولكنه يؤيدني في كل شيء، ويثبت بما لا يدع مجالا للشك أو الجدل أن هذا الشعر لا يدل إلا على الجهل والسذاجة وما شئت من هذه الصفات التي تدل على انحطاط الحياة العقلية. إن الشعر إذا لم يكن علما وكان يفسده العلم، ولم يكن يعتمد على الواقع وإنما يعتمد على الخيال، ولم يكن يحرص على تسمية الأشياء بأسمائها، وإنما يحرص على فتنة اللفظ وسحره، وعذوبة الجرس وجماله، فكيف لا يدل بعد هذا كله على الجهل الجاهل والسذاجة الساذجة؟ لقد كنت شاعرا وأعرف أن الشعر يعتمد أول ما يعتمد على المبالغة الكاذبة والخيال الجامح الذي يصور الأشياء كما يشاء؛ لا يحفل في تصويره بشيء، فليست المرأة في منطقه إنسانا يأكل ويشرب ويتنفس، وإنما هي جسم من النور مرة، وغصن على كثيب مرة أخرى، وغزال نافر مرة ثالثة وعلى هذا النحو، وليست المرأة الجميلة في رأيه امرأة أتاح الله لها هذا الجمال، وإنما هي الطبيعة المتناثرة تجمعت فكانت هذه المرأة الجميلة، فوجهها كان جزءا من فلق الصبح، وشعرها كان قطعة من قطع الليل، وثناياها كانت لؤلؤا أو أقاحا، وخداها كانا وردتين، ونهداها كانا رمانتين، وردفاها كانا موجتين إلى آخر هذا الكلام الذي يفهمه الشعراء، والذي يفهمه الشعراء على طريقتهم الخاصة، وأنا أعرف أنك ستقول: إن هذا كله هو الفن وإن هذا كله هو الخيال، ولكن ما رأيك في هؤلاء الكتاب الذين يجيدون الفن ويستخدمون الخيال ثم تعصمهم ثقافتهم الواسعة عن أن ينحدروا هذا الأنحدار، وأن يسفوا هذا الإسفاف؟ بل ما رأيك في هؤلاء العلماء الذين يستخدمون الخيال في معاملهم كما يستخدمه الشعراء بل أكثر مما يستخدمه الشعراء، وهم مع ذلك لا ينتهون إلى ما ينتهي هؤلاء الشعراء من هذا اللهو واللغو، وإنما