وكان قوي الجسم - رغماً عن بلوغه العام الستين من حياته - مفتول الساعد، ذا عقل قوي طالما كان مصدراً لرعب الناس وقلقهم.
كان دائماً صامتاً ساكناً، لا يتحدث إلى أحد، ولا يشارك السجناء في فكاهاتهم وهزلهم السافل. وكان صمته هذا يبعث بالمهابة والخوف في قلوب الجميع، فكان إذا ما رفع بصره وألقى نظره على بعض من حواليه، ازوّر هؤلاء بوجوههم عنه، ورفعوا أبصارهم إلى السقف، كيلا تلتقي عيونهم بنظراته النافذة المرعبة.
وحدث أن تقلد إدارة السجن حاكم جديد، تحدث القوم عن صرامته وشدة بأسه، وأوغل البعض في المبالغة في وصف حزمه وقساوته، فطفق السجناء يرمقون الذئب بنظرات شزرة ذات مغزة دفين، واسترسلوا في تمتمة خافتة دون ما داع أو سبب
وكان للحاكم الجديد بنت صغيرة جميلة تدعى (أدورا) لم تتجاوز الخامسة من عمرها. وفي أحد الأيام اصطحبها أبوها إلى السجن، للتفرج على المساجين، وبينا كان أبوها يقوم بتوزيع الأرزاق على المساجين، كانت هي تمرح بينهم غير هيابة ولا وجلة تتحدث إليهم بلباقة ورقة، وتوزع بينهم ابتساماتها العذبة وكلماتها الرقيقة. وكان المسجونون يضحكون لها ويبشون في وجهها، وكان بعضهم يرجوها في أن تشفع له عند أبيها، بينما لم يتورع البعض الآخر من تعنيفها بقارص الكلام وفاحش القول
وفي زاوية قصية في السجن، انتبذ الذئب مكاناً، وقد أسند ظهره إلى الحائط - بعد ان ترك نصف طعامه إلى جانبه مهملا - واستغرق في الحياكة بسرعة تدير الرأس.
كان رأسه متدلياً إلى أسفل، عندما اتجه إليه الحاكم وابنته ولم يرفعه حتى أصبحا على قيد خطوات منه، فاكتفى بأن حدجهما بنظرة من زاوية عينيه. وهمت الطفلة أن تقترب منه فمنعها أبوها فبادرته قائلة:
- أريد أن أدنو منه وأنظر إليه! فأجابها أبوها بصرامة:
- لا. إنه جد خطر. . إنه مجرم أثيم. . حذار يا بنيتي أن تقتربي منه فقد تصيبك ضربة من يده. . .
- أنظر يا أبتي! انظر إليه. . انظر كيف يحدجنا بنظراته أواه إنه يحوك قفازاً كذلك)