ليس من الخير أن ننظر إلى المسرح و (السينما) باعتبارهما عدوين، فلنجعلهما يمضيان معاً جنباً إلى جنب، يبذل المسرح (للسينما) ما يبذل الأب لابنه من عطف وحدب، وتعرف (السينما) للمسرح حق الأبوة من بر وولاء.
لقد تكاثر حديث النقاد في شأن المسرح و (السينما) على تباين واختلاف. . . فهذه يقيم من حديثه حفلاً تكريمياً (للسينما) يؤيد به ما أوتيت من زهو، وما بلغت من فوز. وذلك يجعل حديثه مناحة للمسرح، يسح فيها الدمع الهتون على الفن الشهيد!
ولسنا في هذا المقام نريد تكريماً (للسينما) أو تأبيناً للمسرح، وإنما نبغي أستكناه ذلك التطور الفني الذي مهد (للسينما) أن تتسنم تلك المكانة، فساق المسرح إلى ذلك المصير.
في الغرب والشرق جميعاً جمهرة من المفكرين ينعون على (السينما) أنها ليست من الفن في شيء، بل إنها تقضي على الروح الفنية التي أذكاها المسرح وبثها في جوانب المجتمع البشري، ولهذه الجمهرة من المفكرين معارضون كثيرون ينتقصون من قدر المسرح، وينادون بأنه ليس إلا طوراً من أطوار الفن عتيقاً، لم يعد للتقدم العصري كفئاً، فعلينا أن نقوم على تكفينه، وأن نشيعه إلى مقره الأخير، نهيل عليه تراب النسيان!
وأولئك الذين يضيقون (السينما) يأخذون عليها أنها (آلية) فهي تعتمد على الآلة كل الاعتماد. وليس ضيقهم (بالسينما) إلا نوعاً من ضيقهم (بالآلية) في كل مظهر من مظاهرها في العصر الحديث، إذ يحسبون أن هذه الآلة لا تمتد إلى لون من ألوان الفنون إلا أفقدته عنصره الأصيل، وجوهره الرفيع!
فهل صدق الساخطون على الآلة في حسبانهم أنها تقضي على الفن، أو على الأقل تمسخه وتشوه جماله؟ وهل الآلة كما يقولون رمز تدمير للحضارة، وانهيار للعالم على وجه عام؟
شد ما يغلون في هذا الحكم! وشد ما يستسلمون لأوهام الفروض والتخمينات حين يستشعرون الذعر من الآلة، ويقدرون لها أوخم الآثار!
لنكن متفائلين بالعصر الآلي وما ينجم عنه، وليكن هذا التفاؤل على أساس أن العالم متجهاً أبداً وجهة الخير، لأن القوة التي إليها مرد الأمر كله في هذا الكون قوة خيرة في صميمها، وبذرة الخير الكامنة في الطينة البشرية هي التي تدفع به دائماً إلى التجدد والتطور، فهذا العالم ماض إلى الخير قدماً، وإن تعثرت خطاه بأشواك الشر حيناً بعد حين.