الخمس وبحارها السبعة ومن وراء كل أولئك عقول جبابرتها وأساطين علمائها، ومعاملها الساهرة ومناجمها الحافرة، ومحادثاتها السرية والجهرية ومؤامراتها والدماء والأرواح المبذولة فيها من الجيوش البيضاء والسوداء والصفراء والحمراء، والعروش المقوضة والصوالج والمقاليد المحطمة، والحديث عنها بكل لسان وبين كل قبيل من المتحضرين والهمج. . .
ألا إن الحياة تنقل أقدامها بهذه الحرب إلى المجاهل حينما رأت أن كثيراً من بينها لم ينهضوا بعد من مراقدهم في الكهوف والغابات لمشاهد مواكبها الحديثة التي دقت نواقيسها في الآفاق ولم يشتركوا في حمل قوائم عروشها العظيم الذي من لم يره ويدرك أسراره لا يمكن أن يقال عنه إنه ابن زمانه وإنه حقق الغاية المنشودة من إخراجه للحياة في زمن بعينه. . .
ولما رأت أن نورها في دور السلام والاستقرار استأثر به جماعة من الأوصياء الأنانيين، وتركوا غيرهم من القاصرين يخوضون في الظلام والجهل، حولت ذلك النور إلى شعل ذات لهب وحريق يأكل هذه الصدور الأثرة الأنانية التي ما عرفت قصد الحياة من وضع مصابيح النور في أيديها وخانت أمانات الاستخلاف
فمن الذي لا يستيقظ وينبه بد كل هذه الضجة النكراء ويسرع إلى موكب الحياة العظيم بالجسم الخفيف القوي الصحيح والفكر اللطيف اللماح العام، والقلب المؤمن العارف الحامل لأمانات الحياة؟!
وإذا أعرضت الإنسانية ونسيت آلامها الحاضرة وبؤسها وشقاءها بهذه الحرب وتركت الأنظمة الجائرة الغاشمة تتحكم فيها فويل لها ثم ويل لها! وويل للذين يقودونها! وتعساً للمكتوين بنار الحرب من العمال والصناع والجنود إن لم يقفوا في وجه اللاعبين بالشعوب!
ما اجمل إخاء العالم الإنساني! وما أقربه في القلوب البريئة أكثر الناس! لولا الذين يؤرثون في صدورهم نار الحرب والحقد ببعض الأناشيد وإثارة الذكريات الجاهلية والخيلاء العسكرية والألوان الدموية المهيجة!
إن الثيران تظل هادئة مستأنسة حتى يثيرها مثير باللون الأحمر فيحولها إلى وحوش فاتكة. . .