للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكذلك قطعان ابن آدم تريد الهدوء والاستئناس حتى يثيرها مثير بالكلمات الحمراء والحماس الكاذب وحب الشهرة عن طريق الحرب والتخريب حين لا يوجد مجال لبعض الرجال للشهرة عن طريق السلم والعمران وإضافة شيء إلى بناء الحياة

وما أعظم خسارة الإنسانية في أنباء السلم الذين ذهبوا في ضحايا هذه الحرب؟

إنهم إنسانية عالمة عاملة مدربة ماهرة قد نجت من عوامل الموت والجهل والجفوة في تربيتها ثقافات السلام التي استحدثت بعد الحرب العظمى الماضية

إنهم ثمار كبيرة في جمال وصحة ولكنهم الآن يموتون في جفاف الصحاري وزمهرير الثلوج، وعلى أذرع الموج الفاغر والهواء المخلل وتحت أثقال الحديد وبين صعق القذائف! وهكذا يذهبون طعمة لوحوش الفلوات وأسماك البحار وتتساقط أعضاؤهم بين ركام الثلوج كأنهم عصف مأكول أو هباء منثور

فما أعظم خسارة السلم فيهم بعد انتهاء الحرب حين تفتقد العناصر العالمة العاملة الفتية فلا يوجد إلا بعد حين!

ولكنهم قربان لا بد من تقديمه في سبيل مطلب عظيم!

وقد مات الميت فليحي الحي!

وما أعظم ما تحتمل أعصاب البشر! إنهم برهنوا على أن أرواحهم أقوى من الفولاذ والديناميت؛ إذ رضوا أن يغدوا ويروحوا على مواقع هذا الموت الفظيع والعذاب الوجيع، وهم مع ذلك يطيعون وينشدون. . . وإذا رضوا أن تهدم ديارهم وأموالهم وتنسف أطفالهم وحبيباتهم. . .

ذلك تحرر وانطلاق في سبيل العزة وصيانة العقائد

أين صور الأهوال ووقعها في القديم؟ من كان يضن أن يعيش فترة ينتظر فيها نزول الصواعق والنواسف كل لحظة من السماء وهو مع ذلك يأكل ويباعل ويرقص ويغني ويقتني الأموال وينشد الرفاء والأطفال؟

من كان يظن أن يفعل الناس هذا وهم في ساحات هذه القيامة؟! ما أوثق ما ربط الله الإنسان بالأرض!

هذه النفس البشرية أقوى وأبقى من هذه الأهوال لأنها هي التي صنعتها ولذلك لا تخشاها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>