ألا يجوز أن يكون هذا الاحتمال الصابر الذي بدا من النفوس البشرية تحت آلام النار والحديد تدريباً لها من الأقدار العليا وإعداداً لمستقبل مجهول ستحتمل فيه آلام اختراق الحجب الكثيفة التي تحول بينها وبين علم الكثير من غيب السموات والأرض؟!
ألا يجوز أن يكون هذا التسابق العنيف بين الدول المتحاربة في اختزال البعاد والمسافات واقتحام العقبات إنما هو حَبْوٌ على عتبات باب من الانطلاق والتحرير؟
ألا إنها الطبيعة الجامدة الميتة تلبس هذه الأجساد الحية الثائرة المترعة بالحياة المتجددة، الآخذة من موارد علم الله وقوته وقدرته!
ألا إنها القوى التي طال سجنها وكمونها في صدر الأرض، وجدت سبيلها إلى الانطلاق والظهور على يد الابن البكر للأرضّ
ألا إنها جنٌّ خفية تركب مراكبها وتتدافع منطلقة من سجونها في التراب. . .
أطلقها يد الإنسان الذي لا يزال ذاهلاً عما يصنع ذهول النحل عما تمزج، أو دودة القز عما تنسج!
هذه الحرب عملية هدم ما على الأرض وما في نفس الإنسان ليحدث الله بعد ذلك أموراً. . . ولن تنتهي إلا بعد أن تشمل موجتها كل البقاع. . . استيقظ على قوارعها سكان خط الاستواء في مجاهل القارة السوداء، وسكان الأراضي البيضاء وما بينها وسكان الجزر النائية المنثورة في المحيطات وامتزجت منهم جميعاً جيوش في جميع البقاع تقتل في سبيل غاية واحدة. . .
وأن الأقدار تحررهم من التاريخ السيئ و (تصفي) ميراث الشراهة والحقد
فهذه آثار لندن العزيزة على أهلها تهدم. . . هدمها الإنجليز لا الألمان! لأنهم لم يسلموها لهم كما سلم الفرنسيون باريس. . . بل تحرروا من حبها وقدموها دون حرية نفوسهم وعقائدهم في الحياة. . . ولا بد أنهم قد علموا بعد أن خوت مدينتهم على عروشها أن النفس هي الباقية أو هي الجديرة بحرص المرء على بقائها سالمة كريمة وما عداها ففداء لها. وتلك حقيقة من حقائق الإيمان كان الإنجليز قد فقدوها حينما تدفقت عليهم سيول الأموال من بقاع الإمبراطورية قروناً طويلة