يخلطونها بشيء من الموسيقى الإفرنجية المنحطة التي تسمعها في أفقر المقاهي الإفرنجية ويضنون لسذاجتهم انهم جددوا الفن ونهضوا به، وما دروا انهم شوهوه وفضحوه وهذا جرم كبير لا يغتفر، عيّرنا به كثير من المستشرقين.
كانت الموسيقى المسرحية قد خطت أول خطوة في سبيل النجاح. ولكن القائمين بأمرها لم يحسنوا إدارتها، وكان ينقصهم الحزم والتدبير والذوق الفني، فلذلك فشل المشروع في عامه الثاني واستمرت الموسيقى المسرحية في التمثيل الهزلي، والحمد لله قد نشطت هذه المسارح وسارت في سبيل الرقى لولا ما يصادفها من عقبة لم تذلل وهي ندرة المطربين والمطربات الحائزين للأصوات الجميلة القوية الرنانة والثقافة الموسيقية الصحيحة.
إننا معشر المصريين مقصرون في تجميل بيوتنا وإنعاشها بالفنون الجميلة حتى نسكن إليها بعد عناء العمل، ونجد فيها من وسائل السرور والأنس ما ينسينا آلامنا وينعشنا ويجدد قوانا.
نجد الأسر الإفرنجية تهتم بتعليم أبنائها الموسيقى، وتعنى ربة الدار بنظام الحديقة وتنسيقها حتى تصبح جنة مصغرة ترتاح إليها النفوس المتعبة، وفي المساء تجتمع الأسرة فتحيي حفلات موسيقية ترقص لها القلوب وتنسى فيها الهموم والآلام.
أما بيوتنا التي تجردت من جميع مظاهر الجمال والأنس حتى نفرت منها النفوس ولم يطق الأبناء أن يطيلوا المكث فيها فينصرفون إلى المفاسد من تجوالهم ومعاشرة ذوي الأخلاق الضعيفة فلا يلبثون أن تتسرب إليهم عدوى الرذائل ويضحون في عداد الحشرات المؤذية.
أن الموسيقى لغة القلوب ومهذبة الأخلاق، ومرفقة الطباع ومبددة الهموم والأشجان، وخير لنا أن نهتم بها في أوقات فراغنا ونسعى في رقيها حتى نعيد عصر زرياب وأسحق الموصلي.