فهل من الحق أن صاحب الأغاني وغيره من القدماء أغفلوا ذكر ابن الرومي لفزعهم من شؤمه؟ أقول قبل كل شيء إننا رأينا المؤلفين يتحدثون عن تشاؤم ابن الرومي بغيره من الناس والأشياء، أما تشاؤم الناس به وفيهم المؤلفون ومنهم صاحب الأغاني فلم نره عند المتقدمين. على أن صاحب الأغاني لم يغفل ذكر ابن الرومي إطلاقا، فقد ذكره مرتين: مرة نسب إليهانتحال بيت من الشعر لإبراهيم بن العباس، ومرة أظهره بمظهر الشامت في نكبة سليمان بن وهب، فلو أنه كان يفزع من شؤمه لما أتى بذكره. إذن لماذا أهمل صاحب الأغاني الإشادة بابن الرومي وشعره؟ حقق الأستاذ كامل كيلاني هذا الموضوع في كتابه (صور جديدة من الأدب العربي) فأرجع ذلك إلىأن ابن الرومي كان مكروها من الناس لإفحاشه في الهجاء، وكان فيمن هجاهم البحتري وكانت له مكانة بين أعيان الدولة وكبار رجالها، وكان أبو الفرج يحبه ويشيد بذكره ويعني بآثاره، ومنهم الأخفش أستاذ أبي الفرج (فلا غرو أن يغرس الأستاذ في نفس تلميذه بذور الكراهية والبغض لابن الرومي منذ الصغر، أو يغضب التلميذ لأستاذه فتعمد إغفال من جعل همه الأول شتم أستاذه والتشهير به).
ومهما كان السبب في إهمال صاحب الأغاني الترجمة لابن الرومي والتنويه بشعره، فليس من المعقول أن يكون ذلك لتشاؤمه به وخوفه من أن يقع له شر، كما وقع للمازني والعقاد وكامل كيلاني حين تعرضوا لشعره ودراسته، فقد كسرت رجل الأول وسجن الثاني ومات ولد الثالث، وهي اتفاقات لا تذكر إلا في مجال التلهي والتندر.