للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجنة، ينتهك حرمته، ويحقر قداسته؛ يرفع على رأسه سيفه، بدل أن يحني أمامه رأسه. وإنها لمفارقة سجلها التاريخ دهشا

- ٤ -

كان ذوقه شرقيا، في جده ولعبه، في قصره وحاشيته، في مركبه وسلاحه؛ يدبر ذلك من أمره أتباع شرقيون مسلمون، قد حكى في ذلك ما عرف الشرق من قصور الخلفاء، حتى ما أفرد من مقاصير النساء أنس إلى الفن الشرقي صامته وناطقه؛ تجري حياته على أنماط وعادات شرقية تحرسه أجناد من بني الشرق المسلمين يجيد العربية فيما يعرف من لغات حتى يتكلمها ويدرس بها وكم وراء ذلك من مظاهر فنية، وولع شرقي ليس أقل من هذا شانا ولا أيسر خطراً

كان عقله شرقيا، آثر الثقافة العربية على الثقافة اليونانية وعمل على اكتساب غربه من ذلك ما يصل إليه جهده، فمنح التفكير العملي لعصره اتجاها جديداً؛ وكان أقوى وأقدر من عرف الغرب في حركة نقل المعارف عن الشرق في تلك الأعصر؛ وفي كنفه نشط مترجمون من أنحاء أوربا المختلفة، لنقل ما حفظ الإسلام من تراث الإنسانية، وذخر المدنية

ونسى أو تناسى ما بين الشرق والغرب إذ ذاك، من حروب مشبوبة، وعداوة مذكاة، فراسل ملوكه في الود، وفي العلم، يسألهم فتاوى الرياضة، وفنون الحكمة، سواء في ذلك دانى الشرق منه، وقاصيه عنه؛ فكتب إلى علماء سبتة يسألهم في شئون فلسفية، رد عليه فيها ابن سبعين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم الاشبيلي، كما كتب إلى الملك الكامل بمصر في مسائل مشكلة من الهندسة والحكمة والرياضة، ورد عليه الشيخ علم الدين قيصر الحنفي وغيره من علماء مصر: التي كانت تتلقى هجمات الغرب، وتلقنه أصول الحياة في وقت واحد

- ٦ -

كان شرقي الوجدان، غمره فيض الشرق الروحي، ونزوعه الصوفي فلم يأسره تلقينه، ولم يعقله تعميده؛ بل كان وراء ذلك كله: دخل بيت المقدس - حفظا لناموسه - برضا الملك

<<  <  ج:
ص:  >  >>