ثم توكل على الله مرة ثانية وقال: وسيكون معنا الدكتور مبارك ليعرف البيت وليحدِّث (أميرة) عن سميّتها في بغداد.
فالتفت إليّ الأستاذ سامي عاشور وقال: ما رأيك؟
فقلت: أفلح إن صدق!
فقال الجارم: سأصدُق لأكفّ شرَّك عني!
ومرّ يوم وأيام وأسبوع وأسابيع وشهر وشهور، ولم يف الجارم بما وعد، وطال التسويف حتى نسيتُ، وهل كنت أصدِّق أن الجارم يسره أن يعرف أحد أين يقيم؟
ولكن الأيام تصنع الأعاجيب، فقد لقيت الأستاذ سامي عاشور ونحن نراقب الامتحانات في إحدى المدارس، وبلغ مني العجب كل مبلغ حين رأيته لا يزال يذكر (حكاية الوليمة الجارمية)!
- ماذا نصنع في قهر الجارم على الوفاء بالوعد؟
- لا أعرف ماذا نصنع!
- نخوّفه بالشعر
- ولكني لا أجيد الهجاء
- وكيف تكون شاعراً إذا كان (الكرم الجارمي) لا يوحي إليك معاني الهجاء؟
وخِفتُ أن يقال: إني لا أجيد الشعر إلا في باب واحد هو النسيب، فصخختُ الجارم بهذه الأبيات:
وما بالجارم الصنَّاج بُخلٌ ... بزادٍ من طعامٍ أو شرابِ
ولكنْ المكارم أتعبتْهُ ... قفرَّ من السخاء إلى الدَّعاب
فإن يُطعمِك في (نيسان) يوماً ... بوعدٍ مثل رَقراق السَّرابِ
فصدِّقه ولكنْ لا تؤمِّل ... نداه ولو صبرتَ لشهر (آب)
فليس بمُنجزٍ في الجود وعداً ... ولو طاردته يومَ الحساب
ثم مضيتُ فأمليتُ هذه الأبيات على جماعة من الموظفين والمدرسين، وترفَّق الأستاذ سامي عاشور فأنفذها إلى الجارم بك على يد رسول بارع في إصلاح ذات البَيْن!
ثم ماذا؟ ثم هرب الجارم إلى رشيد، وهو يزعم أن الإقامة في القاهرة أصبحت لا تطاق