للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخلافة أن الانحلال قد سرى إلى الدولة الفتية، بعثت جيوشها إلى مصر غازية، فاقتحمت مدينة القطائع عاصمة بني طولون، وقضت على تلك الدولة الزاهرة (٢٩٢هـ - ٩٠٤م) واستعادت الخلافة سلطانها على مصر عصراً آخر؛ بيد أن هذا السلطان لبث عرضة للانتقاض بين آونة وأخرى، وحاول ولاة أقوياء مثل تكين وابن كيغلغ أن ينتزعوها لأنفسهم في ظل الخلافة الأسمى؛ حتى كانت ولاية محمد ابن طغج الإخشيد، فاستطاع أن يقوم بمصر بمثل ما قام به ابن طولون، وأن ينشئ بها دولة قوية مستقلة شملت الشام والحرمين، واستمرت مدى ثلاثين عاماً (٣٢٧ - ٣٥٨هـ)

كانت مصر تتمتع إذاً بمركزها الممتاز بين ولايات الخلافة؛ وكان هذا المركز الخاص يجعلها قبلة مختارة لأطماع المتغلبين وذوي النزعة الاستقلالية من الولاة والحكام؛ ويرجع هذا المركز الممتاز إلى موقع مصر الجغرافي ونأيها عن مركز الخلافة العباسية، ثم إلى اتساعها وغناها، وكونها تصلح بمواردها الخاصة لأن تكون مركز مملكة مستقلة. ولم تخف على الفاطميين هذه الحقيقة يوم استطاعوا أن ينفذوا بدعوتهم إلى أفريقية، وأن ينشئوا بها دولتهم الأولى على أنقاض ملك الأغالبة، فاتجهوا بأنظارهم إلى مصر؛ وما كاد ملكهم يستقر بأفريقية، حتى بعث أبو عبيد الله المهدي أو خلفائهم جيوشه لافتتاح مصر، فاستولت على برقة والإسكندرية، ولكنها ارتدت أمام جيوش مصر وجيوش الخلافة (٣٠٢هـ)؛ ثم غزت مصر ثانية، واستولت على الإسكندرية والفيوم، وأشرفت على عاصمة مصر، ولكنها ارتدت إلى المغرب كرة أخرى بعد حروب طاحنة مع جيوش الخلافة (٣٠٧هـ)

واستطاعت مصر أن تظفر مدى حين، في ظل الدولة الإخشيدية، بقسط من الاستقرار والقوة، ولكن الخلافة الفاطمية الفتية لم تنبذ مشروعها في افتتاح ذلك القطر الشاسع الغنى، وبعث القائم بأمر الله ثاني الخلفاء الفاطميين جنده إلى مصر، فاستولوا على الإسكندرية مرة أخرى (٣٣٢هـ)؛ وكانت الخلافة الفاطمية تشعر أنها، وهي في مركزها النائي بقفار المغرب تبقى بعيدة عن تحقيق غاياتها السياسية والمذهبية الكبرى، أعني مناوأة خصيمتها الدولة العباسية والعمل على تقويض دعائمها، وانتزاع زعامة الإسلام منها؛ وكانت مصر بتوسطها العالم الإسلامي، وبما اكتمل لها من أسباب الغنى والخصب، هي أصلح مركز لتحقيق هذه الغاية، وفيها دون غيرها تستطيع الخلافة الفاطمية أن تقيم ملكها السياسي على

<<  <  ج:
ص:  >  >>