أسس قوية باذخة. فلما سرى الوهن إلى الدولة الإخشيدية، رأى الفاطميون فرصتهم قد سنحت، وجهز المعز لدين الله الفاطمي حملة كبيرة لافتتاح مصر بقيادة مولاه وقائده أبي الحسين جوهر الصقلي، فسار إلى مصر، واستولى عليها بعد معارك يسيرة في شعبان سنة ٣٥٨ (يوليه سنة ٩٦٠)، وفي مساء نفس اليوم الذي تم فيه ذلك الفتح العظيم، وضع جوهر بأمر سيده المعز خطط مدينة جديدة هي القاهرة، ثم اختط الجامع الأزهر بعد أشهر قلائل، وأعدت المدينة الجديدة لتكون منزل الخلافة الفاطمية، وقاعدة ملكها السياسي، كما أعد الجامع الجديد (الأزهر) ليكون منبراً للدعوة الفاطمية ورمزاً للإمامة الجديدة
وهكذا تحقق مشروع الخلافة الفاطمية في افتتاح مصر؛ ومنذ السابع من رمضان سنة ٣٦٢هـ (منتصف يونيه سنة ٩٧٣) وهو تاريخ مقدم المعز لدين الله إلى مصر، تغدو القاهرة منزل الخلافة الفاطمية، بدلاً من رقادة والمهدية، وتغدو مصر معقل الخلافة الفاطمية وملاذها بدلاً من المغرب. فلم تكن مصر للفاطميين غنماً سياسياً فقط، ولكنها غدت أيضاً معقلاً للدعوة الشيعية التي لبث بنو العباس يطاردونها زهاء قرنين، والتي بدأت ظفرها السياسي بافتتاح المغرب؛ وكانت الدولة الفاطمية منذ قيامها بمصر تحتفظ بنفس الصبغة المذهبية التي اتشحت بها منذ قيامها بالمغرب، وكانت هذه الصبغة المذهبية الخاصة عنصراً من أهم عناصر الخصومة السياسية التي نشبت بين الدولتين العباسية والفاطمية؛ فالفاطميون الذين يرجعون نسبهم إلى فاطمة وعلي يختصون خلافتهم بالصفة الشرعية، ويعتبرون الدولة العباسية وريثة الدولة الأموية غاصبة للإمامة والخلافة اللتين اغتصبهما من قبل بنو أمية من علي وأبنائه، ويتخذون من هذا المبدأ دعامة لملكهم السياسي؛ فهم حسب دعواهم أبناء فاطمة بنت الرسول، وورثة علي وعقبه الشرعيين في إمامة المسلمين وخلافتهم
وهنا تعرض نقطة دقيقة. من هم في الواقع أولئك الفاطميون؟ وهل يرجع أصلهم حقاً إلى فاطمة وعلي؟ هذه مسألة يحيط بها الخفاء والغموض، ولم يقل فيها التاريخ كلمته الحاسمة؛ وقد لبثت مدى عصور موضع الخلاف والجدل في العالم الإسلامي والرواية الإسلامية؛ ففريق من العلماء والمؤرخين يؤيد الفاطميين في دعواهم وفي شرعية إمامتهم؛ ويرجع نسبة إمامهم ومؤسس دولتهم عبيد الله المهدي إلى الحسين بن علي وفاطمة. ولكن فريقاً