يسمع منا ما يسره فقال (طيب، وإيه يعني؟). فقلنا (يا سعادة البك لم نفهم الدرس السابق يا سعادة البك). فسأل عن هذا الدرس السابق الذي استعصى علينا فقلنا له أنه كان يحاول أن يعلمنا النفي في اللغتين العربية والإنجليزية ولكن لم نفهم عنه. فأعرب لنا بعبارات صريحة عن دهشته وتعجبه بوزارة المعارف التي تعين مدرسين لا يحسنون تفهيم التلاميذ، وأكد لنا أنه يعطف علينا لأننا نؤدي للوزارة أجور التعليم كاملة ولا نتعلم مع ذلك شيئا. ثم قال إن المسألة بسيطة وإن النفي سهل جدا وإن أدواته في اللغة العربية معروفة وهي (لا ولم ولن الخ) والأمثلة سهلة ومعروفة، وشرع يسوق الأمثلة فلما بلغ (لم) قال (مثلا. . لم كتب. لم ضرب. لم ذهب) فانفجرنا ضاحكين ولنا العذر. فلما سكنت العاصفة بعض السكون قال يوبخنا ويزجرنا ويعظنا (تضحكون؟ إبكون. . إبكون) فلم يبق منا طفل على مقعده من شدة الضحك. ولم يسكتنا الخوف منه وإنما أسكتنا الألم الذي صرنا نحسه في بطوننا من الضحك الطويل).
ومن معلميه في هذه المدرسة شيخ كاتوا يسمونه فيما بينهم (الأسد) وكان قاسيا غليظ الكبد سريع الغضب، ومن لوازمه (خيزرانة) قصيرة يدسها في طيات ثيابه. . (وقد أطعمنها مرارا كثيرة، وذاقتها كفتي وذراعاي وساقاي وظهري وعرفت طعمها كلها بالخبرة الطويلة والتجربة المعتادة).
وإلى هذه المدرسة، أو إلى معلم الخط فيها، يعزو المازني رداءة خطه، وحكاية ذلك ما نرويه هنا عنه.
(كان الشيخ الذي يعلمنا الخط وحشا، أعني أنه لم يكن وحشا حقيقيا، وإنما كان وحشا آدميا غليظ القلب منحوس الضريبة، وكان بناء المدرسة عتيقا متداعيا، والأبواب ذات مصراع واحد وكانت إذا فتحت تنسد بالحجارة. فكان هذا الشيخ لا يعاقب التلميذ إلا بشيء واحد. يضع الواحد راحته على المكتب، ويجيء الشيخ بحجر الباب ويدق به عقل الأصابع. وكان هذا عقابه الوحيد على رداءة الخط، وعلى كل خطأ أو ذنب يرتكب فكيف يرجى ممن تدق أصابعهم بالحجارة أن يحسنوا الخط ويجيدوا الكتابة؟ فهذا سبب أن خطي رديء).
وأتم الطفل دراسته الابتدائية. وجاء أخوه الأكبر إلى أمه يشير عليها بأن تكتفي من تعليمه