الغرائز والفطر الساذجة فتصقلها وتهذبها وتنظمها وتجريها في مجار معينة، فيصلح أمر الجماعة ويستقيم حالها، مثال ذلك أن الرجل كان يخطف المرأة التي تروقه أو يسبيها، ثم يحتازها ما دام راغباً فيها ويحارب دونها؛ وهو الآن يتزوجها، ولا يحتاج إلى الخطف أو الحرب دونها، وإن كان ربما احتاج أن يعاني متاعب المنافسة من الخاطبيها، أو الراغبين فيها غيره ومثاله أيضاً أن الأثرة والأنانية قد اتخذا مظهر الوطنية أو القومية، ولم تذهب الأثرة ولم يبرأ منها الفرد، ولكن المدنية استطاعت أن تنتفع بروحها في الفرد وتسخرها لخير الجماعة
كذلك تفعل الصحافة. حين تستغل فضول الإنسان فتتولى جمع ما يعنيه وتنشره على الناس. وقد خرج الأمر عن أصله، حتى لصار يبدو كأنه منقطع الصلة به. ومن الذي يجرؤ أن يقول: إن الصحافة لا هم لها إلا إرضاء فضول الإنسان بعد أن أصبحت تسمى (السلطة الرابعة؟). ومن ذا الذي يذمها من أجل أنها تصل إلى أخبارها بما يسع رجالها من حيل، ويدخل في طوقهم من وسائل وإن كان بينها السرقة. بل شراء الذمم بكل ما تشتري به من طيب وذميم - أي بالخداع، والملق، والمدح، والصداقة، وتبادل المنافع، لا بالمال وحده كما قد يتوهم البغض، فإن الرشوة الصريحة وسيلة يندر الالتجاء إليها. . .
وهكذا جعلت الصحافة من السرقة عملاً محموداً، ومن مرتكبها لصًّاً شريفاً! ولا عجب فإن خدمة الأمة تكلف أبنائها تعاطي ما يعده العرف رذائل وآثاماً، وتحمد منهم ذلك، وتجزيهم عليه أحسن الجزاء