وبعد مضي أسبوعين على احتلال أزمير طلب مني الصدر الأعظم مقابلة خاصة سرية، فقابلته في مصيف السفارة الإيطالية بطرابيا على البوسفور، حيث أسمعني حديثاً منمقاً بالجمل التي كالها في مدح إيطاليا وما تتمتع به من المحبة في القلوب، ثم شكى إلي بشدة من وقع القرار الذي أصدره مؤتمر الصلح بالتصريح لدولة كانت في القريب تحت حكم الترك لتحتل جزءاً من وطنهم ولتستعبد وتدوس حقوق أحفاد أولئك الذين كانوا سادة لأجداد رعايا هذه الدولة. ثم قال: - ألا يفهم رجال باريس أن هذه هي الطريقة الوحيدة لأحياء روح الكراهية، وأنه إذا قامت يوماً ما مذابح من جراء اتباعكم هذه السياسة سيكون أول عمل لكم اتهمانا بها كما حدث في المائة السنة الماضية من إلصاق تهم المذابح دائماً بالترك أني أرى من واجبي تنبيهكم إلى ذلك، وتحميلكم من الآن مسؤولية ما يحدث في المستقبل.
ثم التفت إلى كمن يريد أن يبوح بسر خاص قائلاً:
- من المسلم به أنه لن يكون هناك موضع لهذه المخاوف لو كانت تقدمت دولة عظمى من الدول المحبوبة للترك وأخذت على احتلال أزمير وولايتها.
- قال ذلك منتظراً إجابة مني لم يظفر بها مدة العشر دقائق التي دامت فيها محادثتنا، والتي توقعت في خلالها ما يريد أن يقول، وأخيراً ألقى كلمته قائلاً:
لماذا لا تطلب إيطاليا عمل استفتاء بين أهالي ولاية أزمير الذين يفضلون بالإجماع أن يروا إيطاليا تحتل بلادهم بدل اليونان؟
كان فريد في ذلك مقلداً للسياسة القديمة التي أتبعها وأتقنها عبد الحميد، واستعملها لمدة ثلاثين عاماً ضد أوربا يحرك الغيرة بين دولها، ويشجع أطماعها، ويزيد في شقة اختلافها، حتى يضمن بقاء استقلال بلاده. ولكن هذه السياسة كانت علاجاً مسكناً نجح في وقته؛ أما الآن فقد انتهى ذلك العهد، ومن جهتي لم أكن واثقاً من نجاح مشروع كهذا بفرض التسليم بإمكان وقوعه، ولا واثقاً من فوائده لإيطاليا، لأن مصلحتها هي في اعتبار كل تركيا سوقاً لمصنوعاتها. أما أزمير وولايتها، فلا تصلح لنا كبلاد لتشجيع هجرة الإيطاليين إليها، لأن أهاليها أكثر انتشاراً وتناسلاً من الإيطاليين أنفسهم، ثم احتلالها مع كثرة ما سيتطلبه من التكاليف سيكون عقبة في سبيل التوسع السلمي التجاري، ذلك التوسع الذي كنت أعلق على تنفيذه أهمية خاصة.