أما الاعتراف لنا بالجميل، فكان من الظاهر أنه ينتهي بعد مضي شهر من رحيل اليونان، بل وينقلب إلى كراهية إذا أقمنا هناك.
كانت تجول بمخيلتي هذه الأفكار وقت حديثي مع الداماد، ولم أشأ أن أبوح له بشيء منها، ولكنه أخذ صمتي كأنه تحوط دبلومتي وخرج من عندي مقتنعاً بأنه وجه طعنة قوية إلى صلب الاتفاق السياسي القائم بين الحلفاء.
ولكن الأخبار تتسرب بسرعة غريبة في الشرق، حتى ما يقال في السر بين رجلين تتناقله الآذان، ويذاع بين الناس كأنه قد ألقي من على منابر المجالس النيابية في أوربا. وبالفعل انتقلت فكرة الداماد إلى آذان مصطفى كمال وأعوانه، لأن أحد رجاله حضر إلى وخاطبني باحترام قائلاً: إن أصدقاءه - ويريد بذلك مصطفى كمال - يؤملون مني ألا أشجع من جهتي مشروع الباب العالي، لأن تركيا الحديثة ترى من واجبها أن تحارب إيطاليا بنفس الشدة التي تحارب بها اليونان إذا طمعت في شطر من أراضيها.
ولم يكن في وسعي إلا أن اعجب - في داخل نفسي - من صراحة هذا القول، وارى فيه فتحاً جديداً في السياسة الشرقية لم نكن نحن في أوربا نعتاد سماعه.
وبمضي الزمن انتهى كل من زميلي الأميرال كالثروب والأميرال أميت، رغم الروح الحربية المتغلبة عليهما، والتي اعتبرها طبيعية واحترمها في الوقت نفسه، إلى التسليم بأني لم أكن بعيداً عن الصواب في إبداء رأيي بخصوص التعجيل بالصلح. ولكن الوصول بهما إلى الدفاع عن هذا الرأي أو زعزعة الفكرة السائدة لديهما كان صعباً على عقلي رجلين خرجا من الحرب وكانا لا يزالان واقعين تحت تأثير ثورة القتال. ولكم من مرة طرق بالهما أنني رغم ضعف مركزي باعتباري رجلاً ملكياً (غير جندي) لم أتأخر عن تبليغ ما أعتقد أنه حقيقة ملموسة إلى علم حكومتي.
ولكن ما فائدة أي نصيحة يبديها الآن المندوب السامي البريطاني لحكومته إذا كان تأثيرها يضيع بجانب تقارير ضباط قلم الاستخبارات الذين كثر عددهم وكثرت بالتالي تقاريرهم إلى لندرة. وأصبح أسلوبهم بعيداً عن التقاليد البريطانية الأولى المعروفة بنزعتها إلى التسامح وطول الأناة، فكثرت أغلاطهم في جو العاصمة التركية الذي أستوعب في السابق دهاء الدبلوماتية الغربية وصبر رجالها. لقد جاء أسلوبهم هذا ليعمل على ضياع الهيبة التي