للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان الدبلوماتيون الغربيون يتمتعون بها في نفوس الشرقيين، إذ من الخطأ البين الاعتقاد بأن اليد القوية واستعمال العنف هي السياسة المنتجة في الشرق.

وقد كان يصعب على مثلي - الذي بدأ حياته السياسية في القاهرة، وقدر عمل أمثال كرومر وونجت، وأعجب بالتقاليد البريطانية في تسامحها وتمسكها بالحرية والعدالة - أن يسمع وهو متأثر صديقي طلعت باشا يقول بلهجته التهكمية، والابتسامة على شفتيه عن بريطانيا:

- هي ألمانيا فقط تنقصها الدقة والضبط الألمانيين.

مثال ذلك حوادث بوليس الحلفاء باستنبول، وبعضها جدير بالتدوين، لأنه في صباح أحد الأيام أخبرنا أننا قد نجونا من مؤامرة خطيرة كانت تدبر في الخفاء ضد الحلفاء، ولم نصدق نحن

- لأول وهلة - هذه الأخبار. ولكن الجنرال البريطاني قرر العمل بسرعة بمجرد علمه بخبرها، وقدم كشفاً إلى السلطات التركية يحتوي على أسماء المتآمرين وطلب القبض عليهم. وكان في الكشف ثمانية وعشرين اسماً بينهم أحد عشر شخصاً منهم يشتغلون بالسياسة ويقيمون فعلاً بأنقرة، أي بعيدون عن متناول السلطات، والباقي سبعة عشر اسماً لأشخاص غير معروفين يصعب العثور عليهم، إذ يتعذر بطبيعة الحال القبض على مثل علي أو أحمد في مدينة كبيرة مترامية الأطراف مثل استنبول.

والأغرب إن السلطات التركية لم يبد عليها أي انزعاج، بل قدمت تهانئها للجنرال، لأن رجاله تمكنوا من اكتشاف هذه المؤامرة الخطيرة، وفعلاً وعدوا بتسليم المتآمرين ونفذوا ذلك بالقبض على عدد من يدعون علي وأحمد جمعوهم من أحياء غلطة واستنبول ممن لا شأن لهم واعدموهم شنقاً. فاكتفى الجنرال بذلك وأعلن رضاءه وسحب تهديداته. . .

وقد علمت في ما بعد أن هذه المؤامرة الموهومة وضع شباكها بعض الترك وأدخلوها على رجال قلم الاستخبارات للانتقام من بعض مواطنيهم، وكان كل ذلك مدعاة للتسلية والتهكم إذا استثنينا حادث شنق الأفراد الذين ذهبوا ضحية هذا التلفيق وهم أبرياء.

إن الأخطاء التي ترتكب في سياسة أي دولة تضطر هذه الدولة أن تدفع ثمنها في الغالب غالياً. وكذلك كان الحال مع دول الحلفاء في تركيا، لأن الزعيم التركي وأنصاره لم يجدوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>